اقتضت الضرورة التدخل العسكري في اليمن، بعد أن أسقط الحوثيون المحافظات الشمالية، واحدة تلو الأخرى، وبدأوا غزوهم لمدينة عدن، كان الحوثيون آنذاك يريدون توازناً استراتيجياً يتجاوز اليمن ويصب في صالح مشروع التمدد الإيراني، لم يترك الحوثيون خيارات، بعد أن استنفدوها جميعها وأحرقوها في طريقهم لتغيير التوازنات التي تهدد الأمن القومي العربي، في حال تمكنوا من السيطرة على باب المندب.

قرار الحرب الذي قادته السعودية، ضمن تحالف دعم الشرعية، احتاج إلى أربعة أشهر لينجز المهمة الأولى المتمثلة في تحرير مدينة عدن، وهنا من الأهمية العودة إلى واقع المشهد اليمني، قبيل انطلاق عملية "عاصفة الحزم" فالحوثيين كانوا على وشك السيطرة على باب المندب، بينما كانت محافظة أبين تحت سيطرة أنصار الشريعة منذ 2012، وكان تنظيم القاعدة يتوزع على محافظات البيضاء ومأرب ولحج وشبوة وحضرموت، التي كانت عاصمتها المكلا قد سقطت بيد التنظيم المتطرف في أبريل 2015.

اليمن كان واقعاً بين جماعات متطرفة تنفذ أجندات مختلفة، والمحصلة أن هذا البلد دخل في نفق مظلم، وكانت الضرورة القصوى تتطلب تدخلاً عاجلاً من الجوار العربي، لإنقاذ اليمن من السير في هذا الاتجاه الكارثي.

كان على السعودية أن تحدد أهدافها من التدخل في اليمن، أولاً عبر مسوغ قانوني بالاستجابة لطلب الرئيس الشرعي وفقاً للمرجعية الأساسية المتمثلة في المبادرة الخليجية، ثم عبر قرار مجلس الأمن 2216 الذي منح التفويض للعملية العسكرية ضد الحوثيين، والهدف الثاني كان التعامل مع الجماعات الإرهابية المنتشرة، لعدم تكرار تجارب دولية سابقة تبدو أفغانستان أبرزها، والهدف الثالث يقتضي التعامل مع الجانب الإنساني، على اعتبار أن اليمن كان يعيش وضعاً اقتصادياً متردياً قبل أزمة 2011 كما أن المنظومة العربية كان عليها مراعاة الامتداد الاجتماعي لليمنيين، بعدم فتح مراكز لجوء بل باستيعابهم واحتوائهم ومحاولة تخفيف القدر الممكن من أزمتهم وحفظ كرامتهم.

أبدت الإمارات العربية المتحدة قدراً كبيراً من المسؤولية وناصفت السعودية المهام، لتنفيذ الأهداف الثلاثة الرئيسية في اليمن، وكانت عملية تحرير عدن (يوليو 2015) نقطة التحول الأساسية، التي انعكست على المشهد اليمني، فما قامت به القوات المسلحة الإماراتية عسكرياً في عملية "السهم الذهبي" عزز الثقة بقدرات التحالف العربي على مختلف الصعد، وجعلها قادرة على أن تتقدم باتجاه تحقيق بقية الأهداف الاستراتيجية.

ورغم طعنة الغدر والخيانة التي تلقتها قوات التحالف العربي في مأرب (سبتمبر 2015) فإن دماء شهداء الإمارات والسعودية، كانت نقطة التحول الثانية في اليمن، فالدماء حولت الشراكة إلى صلابة في المواقف على كل المستويات، سواء عند القيادات السياسية أو العسكرية، أو حتى على المستوى الشعبي، الذي وجد نفسه أمام معركة لابد من الانتصار فيها، بما يضمن أمن وسلامة السعودية والإمارات معاً واستقرار اليمن.

في الهدف الاستراتيجي الثاني، كانت على الإمارات مهمة مكافحة الإرهاب، بإعداد القوات الخاصة من أبناء المحافظات للقيام بمهامهم الأمنية، بموجب مخرجات الحوار الوطني والقرارات الرئاسية الصادرة بإنشاء هذه الأولوية التي عليها القيام بتحرير المكلا عبر قوة النخبة الحضرمية، التي كانت نواة التشكيلات الأمنية الأخرى، التي أسهمت دولة الإمارات في إعدادها وتأهيلها، لمكافحة الإرهاب في المحافظات المحررة، بالتوازي مع العمليات العسكرية ضد الحوثيين.

للمرة الأولى يتقلص نفوذ الجماعات الإرهابية في اليمن، خلال ثلاثة عقود، عانى فيها اليمن شماله وجنوبه، وجود الإرهابيين، وباتت محافظتا مأرب والبيضاء آخر معاقل تنظيم القاعدة، وهما محاصرتان وتجرى فيهما عمليات ملاحقة مستمرة، بالتنسيق مع الولايات المتحدة في نطاق التحالف الدولي، وإن كانت هناك خلايا كامنة في أجزاء من وادي حضرموت وشبوة، إلا أنها غير قادرة على الظهور مع استمرار منهجية الإمارات في مكافحة الإرهاب.

إنسانياً وضعت السعودية والإمارات استراتيجية معالجة لكل الأزمات الناشئة عن الصراع في اليمن، واستطاعت جهود السعوديين والإماراتيين، السيطرة على وباء الكوليرا نهاية 2017، وقدمت الرياض وأبوظبي في إطار الدعم الإنساني، أكثر من 15 مليار دولار توزعت بين خطة الاستجابة الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة، وتلك التي تقدمها المؤسسات والهيئات السعودية والإماراتية، التي لعبت الدور الأهم في التعامل مع الأزمات الموازية للحرب.

أفرزت الحرب في اليمن معطيات مختلفة، بحكم تعقيدات الأزمة اليمنية وعمقها التاريخي، ولعل الأهم أن الأهداف الاستراتيجية الثلاثة، نجحت السعودية والإمارات في تحقيقها بنسبة عالية، فالحوثيون باتوا في نطاق لا يتجاوز 15 في المئة من مساحة اليمن، وتمت استعادة الدولة بأركانها السياسية في المناطق المحررة، وهيأ الضغط العسكري في الساحل الغربي، فرصة سياسية قابلة للنجاح عبر اتفاق السويد وإن كان متعثراً في التنفيذ، إلا أنه اتفاق يحمل المشروعية القانونية، بموجب قراري مجلس الأمن (2451 و2452) وما يتطلب من تشكيل ضغط دولي على طرفي الاتفاق، لبدء التنفيذ ليكون مدخلاً للتسوية السياسية.

وفرت القيادتان السعودية والإماراتية كل الإمكانيات لمساعدة الحكومة الشرعية، في تأدية مهامها السياسية والعسكرية والاقتصادية، ويجب عدم تحميل القصور في أداء المؤسسات التابعة للشرعية، لأطراف أخرى، فالأزمات الصعبة لليمن تراكمية، وازدادت تعقيداً بعد الانقلاب على الشرعية، والإفرازات الناتجة عن هذه الحرب، سواء بظهور المجلس الانتقالي الجنوبي، أو الانقسام في حزب المؤتمر الشعبي العام، وبعد تصفية الرئيس السابق علي صالح، تظل حقائق يجب التعامل معها في سياقها اليمني وضمن الإطار الداخلي، الذي يجب على اليمنيين التعامل معه بواقعية وعدم تكرار الأخطاء التي جرت، بعد بدء تنفيذ الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية بإقصاء أطراف أصيلة في الجنوب لمصلحة أطراف استقوت بقوى أخرى لتمرير أجندات ضيقة، جرَّت اليمن إلى انقلاب وحرب دفع ثمنها كل اليمنيين جنوبيين وشماليين.

المسؤولية تتطلب وعياً بمتطلبات المرحلة، التي تقتضي تعاملاً يخرج اليمن من مربع الصراع إلى مربع الحلول والاستقرار الممكن، وتظل المبادرة الخليجية بوابة الخروج من النفق، بعد مراجعة الثغرات فيها بمعالجات شجاعة تنطلق من اليمنيين أنفسهم، الذين عليهم مسؤولية تجاه شعبهم، بوضع السلام كحل أول وأخير، لانتشال اليمن من مستنقع الاحتراب، فيكفي ما فرطت فيه القوى السياسية من فرص مواتية، ضاعت بسبب عدم التقدير الصحيح للمواقف والظروف.

لن ينتهي الدور السعودي والإماراتي في اليمن، بل سيستمر من باب الالتزام الثابت من القيادتين بمشروع الاعتدال العربي، والمساهمة الفاعلة في حماية الأمن القومي وصيانة مكتسبات الشعوب العربية، ودعمها سياسياً وأمنياً واقتصادياً، فاليمن الذي سقط عام 2014 وجد أشقاءه حوله وهم الذين سيدفعونه للخروج من أزماته إلى آفاق أرحب، يكون فيه محفوظ القيمة والكرامة باستقرار وتنمية وإعمار.