فالانقسام الحادّ بدأ منذ تلك اللحظة، عندما ظن المحافظون البيض أن دولتهم أفلتت منهم للأقليّات، وكانت قناة فوكس نيوز اليمينية هي التي تولت قصب السبق في هذا الخصوص، ثم تطور الانقسام بشكل كبير، بعد فوز ترامب المفاجئ بالرئاسة، إذ لم يكن أحد يأخذ ترشحه للرئاسة بشكل جدّي، بما في ذلك حزبه الجمهوري، الذي فكّر في إطاحته قبل الانتخابات الرئاسية، ثم تراجع، تحت سطوة جمهوره المحافظ والمخلص، وتهديد ترمب بأنه سيترشح كمستقل.

كان الانقسام جزءاً من الحراك السياسي في أميركا، لكنه كان انقساماً سياسياً حزبياً، بين الجمهوريين والديمقراطيين، أما منذ فوز الديمقراطي باراك أوباما بالرئاسة، ومن ثم فوز الجمهوري اليميني، دونالد ترمب، فقد أصبح الانقسام آيديولوجياً، أي بين اليمين المحافظ، بما في ذلك أقصى اليمين المتطرف، واليسار الليبرالي، بما في ذلك أقصى اليسار.

فزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، الجمهوري اليميني، ميتش مككولن، أعلن خصومته لأوباما منذ وقت مبكر، وصرّح بأنه سيعمل على أن يصبح أوباما رئيسا لفترة واحدة فقط! قبل أن يفوز الأخير بفترة ثانية، ويجثم على صدور اليمين الجمهوري 4 سنوات أخرى، كما أن مككولين منع استجواب مجلس الشيوخ لمرشح أوباما للمحكمة العليا، ونجح في ذلك، لأنه لا يريد أن تضم المحكمة العليا قاضياً معتدلاً يميل إلى خط الرئيس أوباما الآيديولوجي.

ومن المعلوم أن الجمهوريين في الكونغرس وقفوا ضد معظم مشاريع أوباما لأسباب آيديولوجية لا سياسية موضوعية، هذا عدا الهجوم الإعلامي الشرس، الذي واجهه أوباما بالهدوء والحكمة والبرود الذي يتسم به، وقد كان الهجوم في معظمه مدفوعاً بأجندة عنصرية، مثل اتهام رجل الأعمال دونالد ترامب، لأوباما بأنه لم يولد على الأراضي الأميركية، وأنه سيدفع خمسة ملايين دولار لمن يثبت خلاف ذلك، وهو الأمر الذي صعّد الخصومة بين الرجلين، فقد كان ردّ أوباما على ترامب صاعقاً، جعل الأخير يقرّر الانتقام بالترشح للرئاسة، والوعد بمسح تاريخ أوباما، وقد نفّذ وعده بالفعل.

والخلاصة أن حالة  الانقسام في أميركا حالياً، تحكمها الآيدولوجيا لا الموضوعية السياسية، وهذا ترك أثره -بلا شك- على حراك القوى العظمى داخلياً وخارجياً...!.