كان ذلك سبباً أساسياً من جملة أسباب أربكت الاقتصاد العثماني، على رأسها تضخم الأسعار وتعاظم الفساد، والتوسع في الحملات العسكرية وتمويل الأطراف الدائرة في الفلك السلطاني، على مدى خريطة الدولة المترامية.

توالى استيراد السلع الأكثر ربحية من العالم الجديد عبر الأطلسي، ولم تعد طرق التصدير الأوروآسيوية منفردةً بالأهمية، بل أصبح مسار التجارة العابر للمحيط أكثر استقراراً واستدامةً من المناطق المضطربة في الشرق الأوسط المليء بالصراعات الإقليمية والداخلية المعطّلة للتجارة آنذاك. رجّحت تلك العوامل كفة الميزان التجاري لصالح الغرب الأقصى المصدر لخيراته إلى القارة العجوز.

لجأ الحكم العثماني حينها إلى تعويم العملة، والمبالغة في فرض الضرائب، ووضع اليد على الممتلكات. كما تسبب التضخم الشديد في إنهاك الأنماط التقليدية من الصناعة والتجارة، التي كانت تعاني استعاضة أوروبا عن أغلبية أشكالها ببدائل محلية أو مستوردة، عبر مسارات تجارية مختلفة. تزامن ذلك مع ارتفاع عدد السكان في السلطنة العثمانية وشحّ الأغذية، في خضمّ فوضى سياسية واقتصادية

وتغوّل للفساد. تمثّل العامل الفارق آنذاك - لتخفيف وطأة الغضب الشعبي من الحكم - في هيئة مجلس العلماء.

إذا حملنا معنا عوامل الاضطراب في تركيا تلك الحقبة لنقيس عليها نظيرتها في الوقت الراهن، سنجد تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتدمير الاقتصاد التركي تلويحاً مسبقاً لخطوة اتخذتها هولندا وبريطانيا، وبتضافرها مع خطوات داخلية، مثلّت تعسّفاً سياسياً واقتصادياً تجاه الشعب، وتدخل عسكري في سوريا بقتالٍ مباشر، وتدخل سياسي وقتالٍ تخريبي بواسطة وكلاء في مصر والسودان وليبيا، أدت كلها إلى التضخم وشبه انهيار لليرة. مع ارتفاع تكلفة المعيشة، سارع الناس نحو تخزين الأغذية خشية ما قد يحدث من ارتفاع في أسعارها، إلى الحد الذي نفدت معه من الأسواق الأوعية ذات الأغطية الخاصة، بتخزين الطعام طويل الأجل. كما تزايد عدد السكان بحكم توافد المهاجرين الفارين من الحرب السورية، والتي يلوّح الرئيس رجب طيب أردوغان بضرورة موافقة أوروبا على استقبال مزيدٍ منهم، وتارةً أخرى يجمعهم ليعيدهم إلى سوريا التي فروا منها. تضطرب القوات المسلحة بعد محاولة انقلاب 2016 لتفرز صفوفها على أساس موالاة الرئيس والبقية إلى السجون، يُضاف إليهم قضاة وصحفيون ومدرسون أصحاب مهن أخرى بعشرات الآلاف، لهم أسرهم ومجتمعاتهم المصغّرة داخل الدولة. ينشق أعضاء من حزب الرئيس عنه لينافسوه، وتحقق المعارضة فوزاً في انتخابات بلدية بالغة الأهمية في مدن رئيسية.

يحدث كل ذلك من دون وجود علماء يحمون سلطان هذا الزمان من الغضب الشعبي والتربّص الخارجي، بل على العكس، نجد عالماً واحداً يراقب الوضع عن بُعد هو فتح الله غولن.