أكبر منجزات الوزير بومبيو هو الملف النووي الكوري وترتيب قمة سنغافورة بين الرئيس ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. وكان كل ذلك قبل تسلمه سدة وزارة الخارجية.

ما يميز أمير هذه الإدارة هو الهدوء في إدارة كافة الملفات، وكلنا يتذكر  ذلك الإنذار الذي وجهه لطهران من بغداد شهر مايو المنصرم. إلا أن الحفاظ على إدارة متماسكة تحت قيادة ترامب هو التحدي الأكبر الذي يواجه بومبيو بعد تشتتها بين ملفات الرئيس والأولويات الوطنية، وخصوصا بعد خسارته لحلفائه الأقوياء، أي كبير موظفي البيت الأبيض الجنرال جون كيلي ووزير الدفاع جيمس ماتيس. ذلك الاستنزاف في قيادات الإدارة العليا كان طبيعيا نتيجة خلط الرئيس بين غروره الشخصي وكبرياء الرئاسة، في حين نجح السفير بولتون في تعزيز تلك القناعة لدى الرئيس مما عجل في إقصاء كيلي وماتيس.

عدم الثقة بين أفرع الإدارة هي سمة المرحلة البولتونية (جون بولتون/ مستشار الرئيس ترامب للأمن القومي)، وهي تتعمق اليوم بشكل أكبر نتيجة ما يتم الكشف عنه من تسريبات حول تجاوزات قانونية للرئيس في ملفي هانتر بايدن، والآخر هو تاجر الذهب "رضى ضراب" المتهم بغسيل الأموال لصالح إيران. لكل هذه الملفات تبعات تمس العلاقات الخارجية للولايات المتحدة وسيتعين على الوزير بومبيو إدارتها بالإضافة لأخرى مستجدة مثل قرار سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا والتخلي عن قوات سوريا الديمقراطية أهم  القوى الميدانية المنضبطة عسكريا وسياسيا في سوريا، وهي الحليف الأمثل في إعادة الاستقرار لسوريا انتقاليا حال تبنيها برنامجا وطنياً وليس عرقي كردي. ذلك القرار مس بإحدى أهم آليات استراتيجية الولايات المتحدة في إعادة الاستقرار للمنطقة واحتواء مصادر التهديد المستقبلية بعد هزيمة داعش عبر التواجد الدائم في سوريا والعراق.

إلا أنه يبدو أن حلفاء بومبيو السابقين في إدارة ترامب قد هب لنجدته من خلال لقاء تليفزيوني للجنرال ماتيس لبرنامج لقاء الصحافة Meet The Press  في 13 أكتوبر الجاري، وحوار مطول مع قائد القيادة المركزية الأسبق الجنرال جوزيف فوتيل لمجلس الأطلسيAtlantic Council  في الثامن من أكتوبر. تناول ماتيس مآلات السماح لتركيا بأعمال عسكرية مباشرة في سوريا على جهود الحرب على الارهاب وعلى استقرار المنطقة، أما الجنرال فوتيل فقد تناول البعد الاستراتيجي لضرورات تطوير التحالفات الشرق أوسطية القائمة إلى تحالفات حقيقية تدعم استدامة الاستقرار واحتواء مصادر التهديد المستقبلية للمصالح المشتركة.

قرار إقالة السفير بولتون قد يكون نتيجة مناورة استباقية من الوزير بومبيو وحلفائه داخل الإدارة، إلا أنه الآن بات عراب هذه الإدارة في مرحلة انتقالية حرجة داخليا نتيجة حملة عزل الرئيس على خلفية تسريبات من داخل أفرع إدارته، وملفات خارجية تطال مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية. فهل سيصمد أمير الإدارة في وجه كل التحديات واكبرها انفلاتات الرئيس ذات التأثير السلبي على مؤسسة الرئاسة أو أنه قد يقرر الرحيل قبل غرقها.

انعكاسات ذلك على ملفاتنا الخاصة أو المشتركة في حال حدوثه ستكون كبيرة لفرط استثمارنا في مواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة بدل الاستثمار في تشكيل سياساتها تجاه منطقة الشرق الأوسط. لذلك يتوجب علينا إعادة بلورة مفاهيمنا في إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة، وهناك العديد من الكرادلة داخل وخارج الإدارات الأميركية، إلا أن هذا الكاردينال سيبقى ذا تأثير على الرؤية الخارجية للولايات المتحدة الأميركية القائمة والمستقبلية.