لن نكترث كثيراً بسرد ما يقوم به ترامب، بل المهم هو ما ستقوم به دول تعاونت وتحالفت مع الولايات المتحدة، وطالما بنت استراتيجياتها العسكرية على الحضور العسكري الأميركي.

كيف يمكن الجمع بين مبادئ مهمة، تضمنت الاعتماد على التحالفات الدولية والقوة العسكرية الداخلية، وأن تشعر هذه الدول وكأنها أصبحت وحيدة، تلاقي مصيرها من دون الاعتماد على التحالفات الدولية؟.

كيف يمكن لنا فهم الانسحاب الأميركي في سوريا وتعزيز الوجود في السعودية؟، وهل هذا يشكل استثناءً من القاعدة الجديدة التي تنص على التخلي عن المبادئ القديمة المتمثلة في الوجود العسكري التقليدي، أم أن ما حدث في سوريا كان هو الاستثناء؟
خطابات وتصريحات ترامب تشير إلى أن ما حصل تجاه السعودية يشكل استثناءً.

وماذا عن أخلاقية التخلي عن أطراف قاتلت مع الولايات المتحدة والعالم، للتخلص من التنظيمات المتطرفة، وحين واجهت خطر قوة إقليمية تم تركها في العراء؟.

وكيف يمكن قبول وجهات النظر الغربية، التي تقول إن الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية، تدخلت كثيراً في الشرق الأوسط، وحان وقت تقليص ذلك، بل التخلي تماماً عن التدخل في منطقة سيئة، لأنك مهما تدخلت فيها، لن يلحقك سوى الخسائر والبلاء.
يعني التخلي الأميركي، عن لعب دور مهم وعسكري في الشرق الأوسط، الكثير لقوى المنطقة، لعل من أهمها، أن على هذه القوى أن تعتمد على نفسها، وأن تعيد صياغة تحالفاتها، في ظل تضارب الخطاب الأميركي، والذي في الواقع لن يتغير، فالاستراتيجية الاميركية مستمرة في التخلي عن المنطقة والأصدقاء، اتهم الكثير أوباما بأنه سبب بلاء السوريين، بتخليه عنهم، وأن هذه سياسة حزبه الديمقراطي، لكنها انتهت بوجود ترامب، لكن ترامب أكدها بالقول والفعل، سياسة تقر بأن الولايات المتحدة لن تقاتل نيابة عن الآخرين.

ترامب ليس وحيداً في تخليه عن المنطقة، بل إن معظم المرشحين الديمقراطيين القادمين للرئاسة الأميركية، يرددون المنطق نفسه، فهناك الكثير من الدماء أريقت والأموال أنفقت، على تلال الشرق الأوسط، من دون فائدة أميركية تذكر، لذا لن يلاموا لو رحلوا.

المعضلة في نظر كثيرين من المراقبين، هي أن أصحاب المنطقة لا يريدون الاعتماد على أنفسهم، واعتادوا العون الأميركي ولعبه دور شرطي الشرق الأوسط الوحيد.

هذه الاستراتيجية الأميركية في وضوحها، أمر جيد للعرب، خاصة دول التحالف العربي، التي يجب عليها الآن تطوير أدواتها وتحالفاتها، بالمزيد من التكاتف العسكري والسياسي، لترقية وتطوير قواتها والدفاع عن مصالحها، فالعدو ينتظر فرصة الانقضاض، ولن يردعه سوى القوة والمزيد من التنسيق.

السعيد من التحرك الأميركي تجاه تركيا والأكراد، هو الرئيس الروسي بوتن، الذي يمنح نفسه مجد تأكيد أنه حين يعد يفي، وحين يدخل معركة ينهيها رغم مصاعبها، وحين يقف بجوار صديق، لن يتركه ويهرب في الليل، ثم ينفي مسؤوليته ويبرر بلهجة فيها تكبر وتعنيف، أنه ليس مكلفاً بما ليس له.

أوروبا الضعيفة، التي تصفها التقارير بأنها في معضلة عسكرية، يقول الكاتب البريطاني فريزر نيلسون عن قدراتها العسكرية، إنها مثيرة للدهشة، فألمانيا نصف مدرعاتها لا يمكنها التحرك، والـ 53 من طائرات الهليكوبتر "البوندوسيهير" لا يمكنها الطيران، بينما فرنسا 160 من طائراتها الهليكوبتر الـ 460 لا يمكنها العمل.

الصورة التي يرسمها فريزر نيلسون موجعة، تقرير مركز الدراسات "راند" يشير إلى أنه لو روسيا غزت لاتفيا، ستحتاج ألمانيا شهرًا كاملًا لتحريك فرقة عسكرية، بينما تحتاج بريطانيا ثلاثة أشهر، فما بالك بالمخاطر التي تحيق بغير أوروبا.

يمكننا قراءة الوضع بطريقة أفضل، حين يقترح علينا فريزر التنبه لتصريح سفيرة بريطانيا في الأمم المتحدة، حيث تلخص الوضع بأن روسيا تتحرش، والصين أكثر حزمًا، بينما الولايات المتحدة تتطلع إلى داخلها. وهذا يؤكد ما يتطلع إليه وزير الخارجية البريطاني السابق جيريمي هنت، حين يشير إلى أن على بريطانيا، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، أن تضاعف إنفاقها العسكري، ليس لأن العالم متوحش، بل لأن عليها أن تكون مستقلة عن الولايات المتحدة، إذا اختفت الأخيرة عن التحرك في المسرح العالمي.

علينا العودة إلى ماذا على الدول العربية فعله في عالم متغير، بالطبع اقتفاء الاستراتيجية البريطانية مهم، وهو مضاعفة الإنفاق العسكري، لكن هذه المرة في دعم تنويع السلاح، وامتلاك القوة البحرية، وزيادة القوة الصاروخية، واستخدام النطاق والمجالات الحيوية لاستعراض القوة وملء الفراغ… الاستمرار في التعاون مع القوى الغربية مهم جداً، نظراً لطبيعة التسليح، إلا أن فتح خطوط مهمة مع روسيا والصين وغيرهما، أصبح واقعاً ملحاً. المهمة الآن موكلة إلى دول التحالف العربي، في أن تطور تسليحها وتعاونها، وأن تكون لديها استراتيجية موحدة لمواجهة المخاطر، ولا يمكن أن يفلح خروج شرطي ودخول آخر، طالما أنك لم تصبح أنت الشرطي القادر والمهيب.