ولعل أشق وأدهى أنواع المصالحة هي تلك التي تأتي بعد تجربتها عدة مرات، لذا صياغتها يجب أن تكون شديدة في التفاصيل، فالشعوب لا تستطيب تكرار العداء حين يخفق السياسيون في استمرار العلاقات الجيدة، وفي خيانة بنود المصالحة.

فشل السياسيين يأتي من عدم التحضير الجيد للمصالحات، وعدم الأخذ في عين الاعتبار التجارب السابقة، وعدم وجود آلية مراقبة لتنفيذ بنود المصالحات تكون مستقلة بعيدا عن بيروقراطيات الحكومات ودوائر الفساد التي تعرقل تطبيق عقوبات خرق المصالحات.

أقسى المفاوضات هي التي تكون حول ملفات متعددة ومتشعبة، ملفات بينية واقليمية ودولية، لا يمكن عقد مصالحة دون الجلوس على طاولة كبيرة يتم فوقها فحص جميع الملفات بكل تفاصيله، وبيان كل نقاط الاختلاف، وأيضا والمهم أن يغلق كل ملف بطريقة لا تعيد فتحه مرة أخرى. المصالحة التي تأتي والناس وقوف لن تنفع وقد تضر.

تكرار الأزمات وعودة طلتها بكل فجائية وعنفوية تأتي من عدم إغلاق الملفات جيدا، العادة العربية في تقبيل الأنوف لا يمكن أن تستمر في هذا العصر الحديث بكل أدواته، العلاقات الدولية لا تقبل ولا تمرر عبارات الود فهي تركز على الطرق العلمية لعقد المصالحات وإنهاء الأزمات.

وهم السيادة لا يعبر عن  الحقيقة حين ينتفض البعض فيما يعدونه تدخل في سيادتهم وهم في نفس الوقت يلجأون لقوات أجنبية لتحمي هذه السيادة ، بطريقة غريبة القبول أن يستعمرهم الأجنبي لأنهم يرفضون التعاون مع أشقاءهم الذين لم يهددوهم عسكريا.

والأهم بين الأشقاء، ولمنع الأزمات أن لا يتم كتم الشكوك في تطبيق بنود المصالحات، ولا يتم تجاوزها، وتمرير الخروقات، بل يجب أن تخضع للحساب وأن يلتزم الجميع بالمثول لآلية رقابة ضمن منشأة إقليمية هم أعضاء فيها.

القفز على المراحل، والركض نحو المجهول،  والاعتقاد الخاطئ بأن المصالحة يجب أن تتم بأي شكل، وبأي صيغة، المهم هو المصالحة أمر قد يؤدي إلى أزمات مستقبلية أكبر.

لجان متخصصة تفحص بنود المصالحة، وتقرأ مستقبل أي اتفاق، أفضل من ورقة يكتبها مستشار مهما بلغت براعته ويوقع عليها زعماء، الأمر يجب أن يكون أكثر دقة وتفصيلا، كل ذلك لمنع مستقبل أكثر ظلاما بين الدول التي تعقد المصالحة.

ويجب قبل كل شيء قراءة مسألة ومصطلح السيادةمداه، حدوده، أوهامه وحقائقه. أيضا من المهم طرح مسألة فن المناكفات الإعلامية، يجب المكاشفة بشفافية،  والتعرف على  أفضل الطرق لمنعها مستقبلًا.

التحالف مع عصابات الإرهاب أمر لا يمكن أن يمر مرور الكرام في اتفاق مصالحة، والقبول بالنصوص دون شرح معانيها وتحديد من يُقصد بها، سيسهم كثيرًا في  تهرب وتملص الطرف المعروف بعلاقاته المتشعبة بهذه العصابات من أي اتفاق.، ولطالما حدث ذلك.
في الختام، المصالحة شيء جميل لكن المصالحة الوهمية الكارتونية لن تصمد وستجر خرابًا أكثر في المستقبل.