ويمنح ذلك السعودية الفرصة لتحييد أو تحويل نشاطات بعضها – خاصة الأوروبية – المشغل لدار المقاصة المشرفة على التبادل التجاري المتجاوز للعقوبات مع إيران، والمعروفة بمبادرة أداة دعم التبادلات التجارية "إنستِكس INSTEX"، وذلك كمدخل لقول الكلمة الفصل في الشأن الإقليمي، إذا أسيء استغلال أداة توفير السلع الضرورية هذه، وتغيّر المزاج الأميركي المضاد للتساهل الأوروبي الحالي، وتجدد التبني المزدوج للتهور الإيراني القائم.

تأسست دار المقاصة هذه في يناير من العام الحالي كـ "أداة ذات غرض خاص" يتمثل بتسهيل التحويلات "غير-الدولارية" عبر بديل لنظام "سويفت" الشائع، تجنبا لمخالفة العقوبات الأميركية، وتتخذ من باريس مقرا لها.

ويقتصر استخدام "إنستِكس" – ظاهريا وحاليا– على الجانب الإنساني المتضمن شراء الأطعمة والأدوية، إلا أن الغرض "الإنساني" من إنشاء هذا النظام يذكرنا بمبادرات إنسانية مزعومة سابقة قامت بواسطتها إدارة باراك أوباما بالإفراج عن مليارات إيرانية موّلت التوسع في الغزو والتنكيل الإقليمي لنظام الملالي وأتباعهم، بعد قناعة واهية من أن اختبار احتجاجات الحركة الخضراء في عام 2009 أثبت أن النظام الإيراني باقٍ ويجب اقتسام المنطقة معه.

ومن باب الاحتياط، ربما كان من الأفضل أن تطلب السعودية تعهدات ممهورة باتفاقيات بألا يتم تسييس أداة المقاصة هذه ضمن تكالب أوروبي وارد ومتهور على من ينفرد بمبيعات الاقتصاد الأسود غير المحسوبة، أو عناد أوروبي لرؤى أميركية تتفق مع مصالح دول الخليج، يختار معها طرف ما تمرير ما يمكنه أن يفيد نظام الملالي.

يمكن أن تأخذ هذه الاتفاقيات الطابع التجاري بحيث يؤدي الإخلال بأهداف "إنستِكس" المعلنة إلى إلغائها، ومن شأن ذلك أن يلوّح بجزرة المكاسب وعصا خسائرها في وجه المتذبذبين من شركاء المصلحة ضمن مجموعة العشرين ومن دار في فلكهم.

أما الجانب الآخر، فهو ضرورة التوقف عن المناشدة المجردة للكتل السياسية الأممية والإقليمية والدول الكبرى بالتدخل لحل معضلات وجودية تتطلب نسج شبكة مصالح مؤلمة يتردد كثيرا من ينوي الإخلال بجزء منها قبل أن يفعل.