لكن ماذا لو قلت لكم إن مقتل هذا الإرهابي الطائفي لم يكن قاصما لطهران فقط، بل لليسار الغربي، نعم اليسار الغربي، وأعني ما أقول تماما، فهذا اليسار المتطرف، الذي كان يمثله أصحاب الفكر الحالمون، من ورثة جيفارا، أصبح اليوم مذهبا سياسيا يتبنّاه الساسة

والحزب الديمقراطي الأميركي خير مثال لذلك، وذلك منذ أن انحرف به باراك أوباما، الذي تعاطف مع تنظيمات الإسلام السياسي، السنيّة التي يمثلها تنظيم الإخوان المسلمين، والشيعية التي يمثلها نظام الولي الفقية في طهران، بحكم أنها تمثل الإسلام المعتدل، حسب رؤية أوباما، مدفوعا بنظرية الكاتب الشهير، فريد زكريا، الذي يرى أن الإرهاب في هذا العالم هو نتيجة طبيعية للاستبداد المدعوم غربيا، والحل في نظره هو في نشر الديمقراطية، التي ستأتي بحكومات منتخبة شعبيا، وبالتالي سيختفي الإرهاب الموجّه للغرب أصلا، وغني عن القول أن نظرية زكريا فشلت في اختبار ما سمي بالربيع العربي، الذي فاقم حالة عدم الاستقرار والإرهاب.

اليسار الغربي فقد بوصلته تماما، وكان موقفه من مقتل سليماني مدفوعا بخصومته مع اليمين، فقد تم رثاء سليماني كجنرال عسكري في جيش دولة أخرى، كما قالت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، مع أن الجميع يعلم أنه قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري المصنف على أنه تنظيم إرهابي، وكانت مواقف معظم الديمقراطيين متشابهة، ومثلهم اليسار الأوروبي، وربما أن هذه هي المرة الأولى، التي لا يتفق فيها الساسة الغربيون على رأي موحد تجاه شخصية إرهابية.

فسليماني لا يختلف عن بن لادن ولا عن البغدادي، ولم أكن أتوقع، رغم هوة الخلاف بين ترمب وخصومه، أن ينزلق الديمقراطيون لهذا المستوى الغير مسبوق من التصعيد، بل والتهور اللامنطقي، حيال الخلاص من شخصية إرهابية، ارتكبت جرائم لا تحصى في عدد من البلدان العربية وداخل إيران نفسها، بل إنه مسؤول عن مقتل أميركيين ، وكان يخطط لقتل المزيد، لو لم يتم استهدافه، حسب تقارير الاستخبارات الأميركية.

والمؤكد هو أن الديمقراطيين سيدفعون ثمنا باهظا لموقفهم من مقتل سليماني، فالشعب لن يغفر لهم موقفهم المهادن من مقتل إرهابي، تلطخت يديه بدماء أميركية!.