فعندما بدأ اختيار أركان إدارته، أصيب بالحيرة في من يختار وزيرا للخارجية، وذلك لأهمية هذا المنصب، الذي يعنى بسياسات أميركا مع العالم، وكاد أن يختار ميت رومني، الحاكم السابق والسيناتور الحالي، ثم وفي مفاجأة غير متوقعة، اختار رجل الأعمال، ريكس تيلرسون.

وقال ترامب حينها إنه لا يعرفه، لكنه يثق في رؤية من رشحه له، وكان واضحا منذ البداية أن الانسجام كان معدوما بين الرجلين، واتضح ذلك جليّا أثناء مقاطعة قطر، إذ غضب تيلرسون حينها وقال للصحفيين إنه، وكرئيس سابق لشركة كبرى، معتاد أن يكون صاحب الكلمة العليا والأخيرة، ويجد صعوبة الآن، بعد أن أصبح وزيرا للخارجية ومساعدا لصاحب الكلمة الأخيرة...!

لم ينتظر ترامب طويلا، فقد أقال تيلرسون، وأقول اليوم، وبعد أن اتضحت الصورة في واشنطن كثيرا، إن تيلرسون كان خيار الدولة العميقة، التي أرادت أن يكون ممثلها حاضرا في إدارة ترامب، ولعل موقف تيلرسون من مقاطعة قطر، والذي كان على الضد من موقف ترامب، يرجح هذا الرأي، فعلاقة قطر مع بعض مؤسسات الدولة العميقة قديمة، ولكن هذا لم يفت ترامب، فسارع إلى إصلاح الخلل  وأقال وزير خارجيته، وعين مايك بومبيو بديلا له.

وعودا على فراسة ترامب، يحسن الحديث عن مستشار الأمن القومي المقال، جون بولتون، فقد أكدّت التقارير أنه تم عرض اسمه على ترامب منذ فوزه بالرئاسة، ورفض ترامب ذلك، ثم تم عرض اسمه مرة ثانية وثالثة، ويرفضه ترمب أيضا، وأخيرا، وبعدما عزم ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي، أراد أن يكون بجانبه رجل قوي، لديه موقف حادّ من إيران، فلم يجد بدّا من اختيار بولتون، الذي لم يطل به المقام حتى تم عزله أيضا.

من الواضح أن ترمب لم يكن يرتاح لبولتون، وهذا ما أدّى إلى رفضه له، ثم تعيينه وعزله سريعا، ويؤكد سلوك بولتون بعد الإقالة، أن فراسة ترامب كانت دقيقة، إذ حاول بولتون أن يؤثر على مجريات محاكمة الرئيس في مجلس الشيوخ، وذلك عندما تم تسريب مقتطفات من كتابه الذي لم يصدر، تتهم ترامب بالاتهامات ذاتها، التي يتهمه بها خصومه الديمقراطيون تماما في ما يخص قضية أوكرانيا، وهذه التسريبات جعلت الديمقراطيين يطلبون بولتون للشهادة، وهو المشروع الذي لم ينجح، إذ أدرك الجمهوريون اللعبة ووقفوا لها بالمرصاد.

وغني عن القول أن شهادة بولتون لم تكن لتؤدي لعزل ترامب، لكن حتما ستضر به، قبل الاستحقاق الرئاسي المقبل، وكمتابع للشأن السياسي الأميركي، لم أكن يوما من المعجبين ببولتون، وسبق أن كتبت عن ذلك كثيرا، وأكد لي موقفه الأخير أنني لم أكن مخطئا، فهو اليوم راح ضحية انتهازيته، إذ لم ينجح في مسعاه لإلحاق الضرر بترامب، وخسر سياسيا بشكل كبير، إذ سيكون صعبا أن ينال ثقة الرؤساء الجمهوريين مستقبلا، وإياك أن تُصدّق أنه فعل ذلك التزاما بالمبادئ وحرصا على معرفة الحقيقة، فمن يتابع مسيرته جيدا، يعلم أنه ليس من هذا الصنف، ولكنه في النهاية مُنِي بخسائر فادحة.