ما تفعله كورونا في العالم هو ضرب من ضروب الجائحة، والتي تعني الانتشار الواسع حول العالم، فيما الوباء عادة يصيب دولة، أو إقليما،  لكنه لا يمتد على هذا النحو الذي نراه في الأسابيع الأخيرة.

يبقى الخوف حصن أمان للإنسان، طالما ظل في سياق الأطر الطبيعية، والحدود النفسية الصحية كما يقول علماء النفس، ومن لا يخاف في هذه  الأجواء يمكن اعتباره شخصا سيكوباتيا، أي أنه مصاب باضطراب في المشاعر.

لكن الخوف يمكن أن يضحى أخطر عدو للإنسان داخليا  وخارجيا، أما الداخل فتشير الأبحاث الطبية إلى أن الدرجة المغالى فيها منه تفقد الإنسان نحو سبع مناعته الصحية الداخلية، وخارجيا تتحطم على صخرة الخوف أي آمال في المستقبل، وتنسد معه احتمالات الشفاء والتعافي على كافة الأصعدة والمستويات، صحيا واقتصاديا، اجتماعيا وإنسانيا.

في زمن الكورونا  يتذكر المرء خطاب الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت إلى الأمة الأمريكية في العام 1933، أي في وقت الأزمة الاقتصادية الكبرى، أو ما عرف باسم الكساد العظيم، وفيه مقولة خالدة :"الشيئ الوحيد والأكيد الذي يجب أن نخشاه هو الخوف عينه".

يصف كاتب السير  والأكاديمي الشهير "نايجل هاميلتون" في كتابه العمدة "القياصرة الأميركيون" بأن روزفلت ( 1933-1945)، كان أحد الرجال الذين بلغوا مستوى من العظمة في عيون الأمريكيين، سواء من معاصريه أو من يليهم، ويكفي القول إنه الوحيد في تاريخ أمريكا الذي حصد ثلاث ولايات رئاسية ما يخالف الدستور الأمريكي الذي يقنن ولايتين فقط، وقد كان ذلك في زمن الحرب العالمية الثانية.

ما فعله روزفلت  كان شيئا عظيما حقا، إذ أشاع الثقة عوضا عن الذعر، والأمل بدل اليأس، والرجاء حيث الشك، في نفوس الأمريكيين الذين خيل إليهم أنها نهاية الأزمنة، فقد عانوا ضيقا شديدا، وإليه ترجع عملية إنشاء طرق المواصلات وخطوط السكك الحديدية الأمريكية في تلك الأوقات الصعبة، ما يعني إشغال الأيدي العاملة من جهة،  وتعبيد الأراضي الأمريكية للتواصل من شرقها إلى غربها، والذين عاشوا في أمريكا يعرفون على سبيل المثال أن هناك مسارا يدعى  "طريق 80" يبدأ من نيويورك على ساحل المحيط الهادي ليصل إلى  كاليفورنيا على  ساحل الهادئ، طريق يقطعه المسافر في أربعة أيام وقيادة 24 ساعة في اليوم.
انتصر روزفلت على الخوف،  وفي زمن لم تكن هناك فيه تكنولوجيا حديثة، ولا إعلام فضائي،  كما الحال في عالمنا الحاضر،  فقط عبر خطاب في بعض المطبوعات الأمريكية المتواضعة، لكنها القيادة الحاسمة التي انتشلت الإمبراطورية الأمريكية من وهدة الخوف، وقادتها إلى الانتصار في الحرب العالمية الثانية.

لماذا هذه المقدمة الطويلة عمدا؟

باختصار غير مخل، حتى نقف على ما يصنعه الإعلام المعاصر بالبشر، وما تقوم به وسائط التواصل الاجتماعي في حاضر أيامنا من أدوار بعضها وللأسف الشديد مغرق في إشاعة الخوف والذعر.

إعلام الخوف الذي نتحدث عنه يمكن تقسيمه إلى نوعين: الأول: عفوي غير مقصود، وإن تسبب في مشاكل، لكنه حاضر لتصويب مساره حال اكتشاف انحراف طريقه، إذ ليس وراءه أهداف ما ورائية لا تغيب عن ناظري أحد من الوطنيين  الحقيقيين.

الثاني: إعلام منحرف عن عمد وعن قصد، ليس الهدف منه توعية الجماهير الغفيرة، أو صون الأنفس البشرية من وهدة الكورونا، بل هدم الدول على رؤوس أبناءها مرة وإلى أجل غير مسمى.

خذ إليك على سبيل المثال ما تعانيه مصر في الأيام الأخيرة من هجمة لإعلام الخوف المنظم، والذي تقف وراءه بدون مواراة أو مداراة جماعة الإخوان، وكتائبهم الإعلامية المنتشرة ما بين تركيا  وقطر،  ووراء الأطلنطي مؤسسات إعلامية وأهلية إخوانية تمضي في السياق عينه.

اعتاد المصريون منذ 30 يونيو 2013 الموعد الذي خرجت فيه جماهير الشعب المصري تطالب بسقوط حكم المرشد بعد عام من الظلامية، اعتادوا على إطلاق الشائعات الساعية لوقف عجلة التنمية، وتحطيم الإرادة المصرية.

والشاهد إنه رغم فشل جهودهم في مواجهة تضافر جهود المصريين لإعادة بناء دولتهم،  وقد شهد العالم بطفرة  كبرى لمصر في الأوقات الحالية، إلا أن المكر السيئ لم يرحل عن عقولهم.

جاءت أزمة كورونا ليطل خفافيش الظلام عبر إعلام الخوف الانتقامي إن جاز التعبير، في محاولة لا تخطئها العين لإفشاء الهلع بين صفوف الشعب المصري.

المثير والخطير أن هناك خلايا تابعة لهم في بعض وسائل الإعلام العالمية،  فقد كتب مراسل النيويورك تايمز في القاهرة على  سبيل المثال أن هناك 19 ألف حالة مصابة بالفيروس في مصر،  الأمر الذي نقلته عنه جريدة الجارديان البريطانية الشهيرة، ليقع كلاهما في الفخ القاتل.

شائعات إعلام الخوف وخلايا الإخوان لا تنفك تروج الرعب والذعر، إذ أشارت إلى أن الجراد الأسود على حدود مصر الجنوبية، وأنه سوف يهلك الزرع والضرع عما قريب، الأمر الذي لا صحة له من الأصل.

محاولات إعلام الخوف الإخواني امتدت عبر التأكيد على أن مصر ستشهد عزلا إجباريا، ما دفع البعض إلى التهافت على  شراء الاحتياجات الأساسية من الغذاء والدواء، رغم أن مخزون مصر الاستراتيجي منها يمتد لتسعة أشهر.

ما الذي يريده هذا الفريق سيئ النية من إعلامي الخوف؟

في مسرحية "أجاممنون" لأسخيلوس، نجد تعبير :"من ليس له حساد ليس له أمجاد"،  وقد أثبتت القيادة المصرية حكمة بالغة  في الأسابيع الأخيرة، سواء في مواجهة غضبة الطبيعة  والأمطار والعواصف التنينية، وخرجت بأقل الأكلاف، أو في إدارة ملف أزمة الكورونا بإجراءات متدرجة تراعي أول الأمر وآخره حياة المصريين، وقد رصدت مصر مبلغ 100 مليار جنيه مصري لمواجهة الأزمة.

الأمر الأخير هنا والذي يستوجب توجيه الشكر، موصول  بالأشقاء العرب في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والكويت وبقية دول الخليج، فقد شكلت النخبة الواعية الوطنية المخلصة في هذه الدول حائط صد ورد على وسائط التواصل، لا سيما تويتر وفيسبوك وغيرهما لمساندة مصر، وإظهار إفك إعلامي الخوف في الحال والاستقبال، ما يبين أن مصر لا تزال في القلب من كل عربي، كما تبقى البيت المفتوح أبدا ودوما للأشقاء العرب في حلهم وترحالهم.

بيانات كورونا لدى منظمة الصحة العالمية التي أقرت بأن مصر لديها نظام مراقبة وترصد قوي، ما يقطع بأن الأعداد التي أشاعتها الصحافة الأجنبية غير صادقة، وما جعل مراسل النيويورك تايمز في القاهرة يحذف تغريدته، وإن استمر في كذبه البواح بالقول إن المصابين ستة آلاف.

العالم العربي مدعو لمواجهة إعلام الخوف بالقدر الذي يواجه به كورونا .. الخوف جدار متين عالي البناء ...هدمه يستوجب انتشار كتائب الصدق والموثوقية الإعلامية في أزمنة الزيف وعدم الشرف، كما أشار الرئيس السيسي إلى ذلك ذات مرة.