إلا أنه اليوم في مواجهة مفتوحة مع إدارة أميركية غادرت مربع المهادنة وقواعد اشتباك مفتوحة، حتى وإن بقى الهدف الاستراتيجي هو احتواء إيران.

ما تحتاجه قُم الآن هو تحفيز الولايات المتحدة على القبول بضرورة فتح قنواتٍ علنية، حتى لو كان ذلك عبر مواجهة مخاطر انتشار وباء كورونا الجديد (كوفيد-19) كما فعلت إبان الحرب على داعش.

لذلك يبقى العراق الوسيط السياسي "جغرافياً" الميدان الأكثر ملاءمةً للطرفين المتضادين نسبياً الآن. كذلك يجب عدم إخراج وباء كورونا من الأدوات المتاحة والقابلة للتوظيف من قبل مؤسسة النظام الحقيقي، ثالوث المرشد وشمخاني وسليماني (حتى مع إخراج الأخير من المعادلة)، إلا أن فيلق القدس لا يزال قائماً بكل هياكله.

لذلك يتعاظم دور الأدميرال شمخاني اليوم بعد أن أصبح مركز كل أدوات قوة جمهورية ولاية الفقيه بين يديه (الأمن القومي والدفاع والحرس الثوري). لذلك احتاج شمخاني لإيصال رسائل مباشرة لإدارة الرئيس ترامب من خلال زيارة بغداد في السابع من مارس الجاري، ليلحق ذلك باعتداء على قاعدة التاجي العراقية في 11 مارس، راح ضحيته أميركيان وبريطاني من القوات التابعة للتحالف الدولي. إلا أن استعراض شمخاني لم يتوقف عند ذلك، بل أرسل طائرةً محملة بالإيرانيين إلى لبنان، متجاوزاً عبر حزب الله كل الإجراءات الوقائية التي أعلنت عنها الدولة، ومنها وقف الرحلات الجوية مع إيران ودول أخرى.

رد الولايات المتحدة السياسي هو "تفويض وزارة الدفاع بأمر تقدير الموقف والرد"، وذلك تحديداً ما قامت به وزارة الدفاع، أي الرد غير الانتقائي، كما كان معهوداً في السباق، نتيجة إعطاء التقدير السياسي الوزن الأكبر في تحديد مستوى الرد.

لذلك جاء الرد أكثر اتساعاً، حيث شمل ما تبقى من بنى تحتية وقواعد تمثل العمق الإيراني في العراق من تنظيمات، بما في ذلك مطار كربلاء (قيد التشييد).

 وقد سبق الاعتداء على قاعدة التاجي تسريبات استخبارية بينت عن عزم إيران تنفيذ عمل عسكري في المنطقة، ويبدو أن الهدف من ذلك التسريب إظهار مدى الانكشاف الذي تعاني منه الهياكل العسكرية التابعة للحرس الثوري من قبل المخابرات الأميركية، أو التابعة لدول حليفة لها، كان لها دور مباشر في تصفية الجنرال سليماني.

إن اعتماد مبدأ الأرض المحروقة عبر توظيف تفشي وباء كورونا في فضاءات منهارة مثل سوريا، أو في أخرى شبه منهارة مثل لبنان والعراق وحتى اليمن، لن يكون أمراً مستبعداً بعد اقتناع إيران بعبثية تهديد الملاحة في الممرات البحرية. من هنا قد يبدو مبدأ مماثلة واقع الانهيار الإيراني هو ما قد يعتمد من قبل الأدميرال شمخاني في إقناع الولايات المتحدة بضرورة العودة لطاولة التفاوض عبر تهديد مصالحها في المنطقة بشكل غير تقليدي.

والسؤال الآن وبعد تأكدنا من حقيقة هذا النظام الفاشل غير المسؤول والمتمثل في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهل سنواصل التعاطي معه على أسس افتراض حسن النية طائفياً، لأننا عبر ذلك نؤصل لواقع مطالبته بالوصاية على ما يعتبره مكوناً شيعياً، وفي ذلك انتقاص من هويتنا الوطنية وتفريط في حقوقنا السياسية. وها نحن اليوم أمام واقع يهدد أمننا القومي، قد تكون إحدى أدواته تهديد السلم الاجتماعي من خلال الانتقاص من منظومة برامج الاحتواء والوقاية من انتشار فايروس كورونا. وقد سبق أن عبرت بعض الأصوات الموالية لإيران في بعض الدول الخليجية عن ذلك بعد وصفهم الإجراءات بأنها استهداف على أسس طائفية. الولايات المتحدة جرمت السفر إلى كوبا على أسس سياسية، وعلينا تذكيرها بذلك إن قررنا نحن منع سفر مواطنينا إلى إيران إلى أجل غير مسمى، لأن أمنهم وسلامتهم مسؤوليتنا نحن.