فهل آن الأوان لإجراء مراجعاتٍ حقيقية لهذا الملف ومن أكثر من مدخل وليس فقط استنزافه لموارد قابلةٍ لإعادة توجيه. ولتكن أولى المراجعات قدرة اليمنيين على التصالح مع واقع نتائج حرب 1994، فهل أنتجت تلك التجربة دولة وطنية حقيقية، ومن ثم إفساح المجال لتناول فرضية الدولتين بديلاً عن حرث البحر في استدامة دولةٍ فاشلة.
ففي ظل غياب إرادة وطنية، فإن الخيارات معدومة وحرب البلقان نموذج يشهد على ذلك. وافتقارها لقيادة قادرة على تحقيق الحد الأدنى من التوافق اليمني هو واقع يجب الاعتراف به. أما ما تبقى من خيارات فهي، إما احتلال اليمن أو وضعه تحت وصاية إقليمية أو دولية.

استراتيجيا، لا قيمة لباب المندب دون خليج عدن، فجيزان بالإضافة إلى جيبوتي قادرتان على تحييد أي مصدر تهديد للملاحة الدولية وبأكثر من خيار في حال لجأ الشمال (التحول لدولتين) إلى ممارسة الابتزاز السياسي كسابق عهده.

أما فيما يتعلق بالقوى السياسية التقليدية، فإن تاريخها مُجتمعة أو منفصلة يشهد على فشلها في إنتاج نموذج حقيقي لدولة وطنية مثل راوندا مثلاً، وهي التي مرت بظروف حرب أهليه هي الأقسى على الذاكرة البشرية حتى صحى العالم على المأساة السورية. إلا أن ذلك لا ينفي وجود شخصيات يمنية من خارج المنظومة القائمة تملك القدرة على تحقيق الإجماع النسبي المطلوب لمرحلةٍ انتقالية بشرط توفر الضمانات اللأزمة لذلك.

غالبية المشاريع التنموية الكبرى في المناطق المحررة هي بإشراف مباشر من قبل الدول الواهبة (السعودية والإمارات) بعد أن فشلت وزارات الشرعية في الاضطلاع بذلك الدور في عموم المناطق المحررة، بل ينشغل وزرائها وقياداتها القبلية الموالية لها في استهداف استقرار المحافظات الجنوبية بدل الانخراط في إنفاذ اتفاق الرياض أو الدفع باتجاه حسم الموقف عسكرياً مع الحوثي مخافة انكشافها وطنياً والمهرة أكبر الأمثلة على ذلك.

اعتماد مبدأ النفس الطويل أملاً في تحفيز التحولات الاجتماعية والسياسية المطلوبة لن يكتب له النجاح في ظل تهميش مكانة الدولة والاستعاضة عنها بالهوية القبلية، لذلك يجب تجاوز نموذج الدولة المركزية الفاشلة والبدء في إطلاق إدارات الحكم المحلي ( كما ارتأته مخرجات الحوار الوطني) لأن في ذلك الضمانة لتحقيق الاستقرار وتنمية اقتصادات محلية، ونجاح ذلك سيغير من معادلة التكافل القائمة بين الدولة المركزية والقبائل المتنفعة. فمن دون تقديم نماذج لنجاحات اجتماعية في مناطق مستقرة أو قابلة لفرض الاستقرار، فإن التحالف سيفشل في إدراك أهدافه الاستراتيجية و المرحلية. وعلينا الاعتراف بأن التحديات الاقتصادية المستقبلية ستفرض واقعاً آخر على الجميع والحديث ليس عن تأثيرات كورونا على الاقتصاد العالمي، لأنها ستكون ظرفية وأن طالت.

لكن التحولات الكبرى سيكون مصدرها تسارع خطوات الثورة الصناعية الرابعة وتراجع الدور التقليدي للإنسان لصالح الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة Machine Learning ، وهو ما ستمر به كافة المجتمات، حينها سيكون للواقعية الكلمة الفصل في كل الأمور.
إن أردنا استخلاص الدورس من التجربة اليمنية، فيجب أولا وضع التحولات في موازين القوى الذي يمثله الحضور الدولي عسكريا في جيبوتي والصومال خلال العشر سنوات الأخيرة نصب أعيننا في استحثاث إعادة تقييم على أسس استراتيجية.
لذلك يجب أن تتناسب البرغماتية السياسية ووتيرة المتغيرات ضمن الفضاء الجيوسياسي للدول الأعضاء في تحالف إعادة الشرعية بما في ذلك التحلل من حاكمية نتائج حرب 1994.