مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي (أف بي آي) أبلغ السيدة ويتمار بوجود خطة لخطفها وأن عناصر الجهاز مازالت تلاحق مدبري خطة الخطف، وقد اعتقلت 13 عنصرا منهم حتى الآن، ووجهت لهم تهم الإرهاب والتخطيط لخطف حاكمة الولاية. وقد اضطر كلٌ من الحاكمة ويتمار، وقاضية التحقيق في خطة الخطف والمحاكمة، دانا نيسيل، إلى تغيير محلي سكنهما من أجل إحباط خطط المليشيات اليمينية المتطرفة في النيل منهما.

وقد ازدادت أعداد هذه الجماعات اليمينية المتطرفة التي تحمل السلاح، في عهد الرئيس دونالد ترامب، وأصبحت تهدد الامن والنظام في عدد من الولايات الأمريكية كما أشار التقرير الأخير لوزارة الامن الوطني الأمريكية.

ويتهم متطرفون يمينيون حاكمة ولاية ميشيغان بأنها "انتهكت الدستور الأمريكي في فرضها إجراءات صارمة على حرية المواطنين" ويقصدون بـ(الانتهاك) إجراءات الحجر الصحي المفروضة على سكان الولاية للوقاية من فيروس كورونا. ويعتقد هؤلاء المتطرفون، الذين يتركزون في ميشيغان تحديدا، بأن إجراءات الحجر الصحي غير مبررة، وهي تتعارض مع مبادئ الدستور الأمريكي. وتُعتبر ولاية ميشغان، التي تقع في حدود أمريكا الشمالية المتاخمة لكندا، من الولايات التي يكثر فيها المهاجرون العرب، والعراقيون تحديدا، خصوصا في مدن ديربورن وآناربور وديترويت، بل تحتضن الولاية أكبر تجمع للعرب في الولايات المتحدة كلها، كما يوجد فيها العديد من مصانع السيارات وبعض المدن ذات الغالبية الأفريقية مثل (فلينت).

وكانت هذه الجماعة تخطط لأن تضم إلى صفوفها مئتي شخص كي تهاجم مقر حكومة الولاية قبل الانتخابات الأمريكية المقررة في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وتحتجز عددا من كبار المسؤولين كرهائن، بمن فيهم حاكمة الولاية، التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي. وإذا ما فشلت الجماعة في خطتها هذه، فإن الخطة البديلة ستكون مداهمة الحاكمة في بيتها.

وينتمي أعضاء هذه الجماعة اليمينية المتطرفة إلى عصابة "بوغالو بويس" التي تأسست عبر الإنترنت واتسعت عضويتها في السنوات الأخيرة، ويشير الاسم إلى "الحرب الأهلية"، وأعضاؤها في الغالب من مؤيدي الرئيس دونالد ترامب الذين يعارضون تطبيق القانون، لكن أهدافهم محلية ضمن حدود الولاية، وليست فدراية شاملة! غير أن مثل هذه الجماعات أصبحت منتشرة الآن في ولايات أخرى. ويعتقد مراقبون بأن سبب وجود هذه الجماعة المتطرفة في ميشغان تحديدا هو كثرة المهاجرين العرب والأفارقة الذين يعارض العنصريون البيض وجودهم.

ويتهم كثيرون إدارات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل فيس بوك وتويتر، بالتأخر في ملاحقة هذه الجماعات المتطرفة، ما سمح لها بالتشكل والاستفحال، رغم أن إدارة الفيسبوك كانت تراقب هذه الجماعات وتقدم المعلومات عنها للجهات الأمنية، وقد أزالت أحد أعضاء جماعة "بوغالو بويس" من الفيس بوك كليا في حزيران الماضي، لكن بعض فديوات الجماعة بقيت منشورة في منصة فيسبوك. وقد برعت هذه الجماعة في استخدام العبارات المفتاحية الرابطة للأفكار والأخبار (هاشتاغ)، لتجنب الرقابة، لكن إدارات وسائل التواصل الاجتماعي لديها قدرات تقنية تُمَكِّنها من متابعتها، ولولا تلك القدرات والرقابة المتواصلة لأصبحت هذه الوسائل منصات لبث الكراهية والتخطيط لعمليات إرهابية.

وتتهِم حاكمة ولاية ميشيغان الرئيس ترامب بأنه المسؤول الأول عن تأجيج مثل هذه النزعات العنفية في المجتمع الأمريكي، رغم أن ترامب أيد إجراءات ملاحقة واعتقال جماعة "بوغالو بويس" الرامية لخطف الحاكمة ويتمار، وقالت إن الرئيس سعى إلى التشكيك بإجراءات الولايات المتعلقة بمكافحة انتشار فيروس كورونا، ما ساهم في تأجيج الاستياء عند شرائح معينة في المجتمع، ممكِّنا إياها من بث الخوف والكراهية والانقسام. وعلق ترامب في تغريدة له على تويتر "إن حاكمة مشيغان، وبدلا من أن تشكرني على جهودي في إنقاذها، تتهمني بأنني مؤمن بفكرة تفوق العنصر الأبيض، بينما لم تنتقد بايدن الذي يرفض إدانة المخربين والناهبين والفوضويين وأعضاء جماعة "أنتيفا" المناهضة للفاشية".

وتشير بعض الرسائل في وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن أعضاء في هذه الجماعة عبّروا عن تأييدهم لدونالد ترامب، خصوصا وأنهم يلتقون معه في سياسة إيقاف الهجرة إلى أمريكا، إلا أن منشوراتٍ لأعضاء آخرين في الجماعة نفسها، وصفت ترامب بأنه "متسلط" وأن "كل من يعمل في الحكومة هو عدو". وكان ترامب قد أيد المحتجين على إجراءات مكافحة فيروس كورونا وغرّد قائلا "حرروا ميشيغان"، ما حفز المحتجين المستائين من إجراءات الحجر الصحي، على مهاجمة المجلس التشريعي لولاية ميشيغان.

وتعتبر ميشيغان من الولايات الحاسمة في نتائج الانتخابات الرئاسية لأنها من الولايات التي يتغير نمط تصويت ناخبيها حسب الأوضاع السياسية والاقتصادية السائدة، أي أنها من الولايات الكبيرة غير الموالية لأي من الحزبين المتنافسين، علما أنها تصوت للحزب الديمقراطي في أكثر الأحيان، لكنها صوتت لصالح ترامب في انتخابات عام 2016 بسبب عدم اهتمام مرشحة الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتن، بالولاية في حملتها الانتخابية، وامتناع آلاف العمال ذوي الأصول الأفريقية من التصويت لها، والذين كانوا سيقلبون الموازين لصالح كنتن لو أنهم صوتوا لها، خصوصا إذا ما عرفنا أن هامش فوز ترامب في الانتخابات الماضية كان صغيرا جدا.

وكان المرشح الديمقراطي، جو بايدن، قد دان "مليشيات المواطنين" واعتبرها تهديدا حقيقيا للولايات المتحدة، واتهم الرئيس ترامب بتشجيعها خصوصا عندما بعث بتغريدة "حرروا ميشيغان". واعتبر بايدن هذه التغريدة تشجيعا واضحا للمليشيات، قائلا إن ما يقوله الرئيس يؤثر في الناس، وكان عليه أن يقول "توقفوا، توقفوا توقفوا" وليس "حرروا ميشيغان".

وكانت المليشيات قد انتشرت في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة، وارتكبت العديد من أعمال العنف التي راح ضحيتها بعض المواطنين. ويمتشق رجال المليشيات السلاح حتى أثناء التظاهرات، وهم في العادة رجال يؤمنون بتفوق العنصر الأبيض على باقي الناس، وقد صنفت وزارة الأمن الوطني الأمريكية في تقريرها السنوي أعمال العنف التي يرتكبها هؤلاء بأنها "خطر قاتل ومتواصل يتهدد البلد".

لكن نشاطات المليشيات الأمريكية، التي تشكلها جماعات صغيرة متفرقة غير متماسكة، تجمعها أفكار محددة، أغلبها عنصرية وتفوقية، مرصودة وتتوفر عنها معلومات شبه كاملة عند السلطات الأمريكية، وتكون في العادة موسمية، لا تدوم طويلا، فكثير من أعضائها شبّان تتغير آراؤهم بمرور الزمن، فيهجروا هذه النشاطات التخريبية والأفكار الهدامة، والأهم من كل هذا أنها غير مرتبطة بدولة أخرى معادية للولايات المتحدة، كما هي حال المليشيات العراقية المنظمة التي تسعى علنا إلى تفتييت الدولة العراقية وتأجيج الطائفية التي تؤدي إلى الاحتراب والقتل بين أبناء الشعب العراقي كما حصل في الأعوام 2005/6/7.

الأفكار الهدّامة التي تختلط بالعقائد أو الإيمان الديني، دائما ما تجد من يعتنقها من البسطاء في كل المجتمعات، حتى وإن كانت غريبة وخرافية أو طوباوية، وفي كثيرٍ من الأحيان يتسم معتنقوها بالعنف والاستعداد لارتكاب جرائم بشعة ضد الأبرياء، بل ضد أنفسهم أيضا، كما حصل لجماعة ديفد كوريش، التي احتلت مبنى مركز جبل كارمل في واكو في تكساس عام 1993، وانتهى بها الأمر محترقة بلهيب النيران التي شبت في المبنى الذي كانت تحاصره قوات الأمن الأمريكية.

المليشيات العقائدية السياسية في العراق، وهي قوية ومنظمة ومسلحة وممولة تمويلا كبيرا بسبب سيطرتها على موارد البلاد الاقتصادية، سوف تقود البلد إلى مزيد من الفوضى والتناحروأعمال القتل، وسوف تشجع الناس على العنف، وفي النهاية ستخلق ضدها النوعي المسلح أيضا، إن لم تتمكن الحكومة العراقية والمجتمع الدولي من لجمها وتفكيكها قبل فوات الأوان.