وإذا نظرنا إلى الفوضى التي تضرب أطنابها منذ أشهر ، والتي وصلت حد القتل وإشعال الحرائق وتكسير مجسمات الزعامات التاريخية ، بما في ذلك مجسم الزعيم التاريخي الذي حرر السود من الرق ، ابراهام لينكولن ، والرئيس ثيودور روزفلت ، فإنه يصح أن نقول إن ما يجري هو حرب أو ثورة على أقل تقدير ، ففي أوج أزمة كورونا ، وحاجة الشعب الأمريكي للمساعدة ، تفرغ الديمقراطيون في مجلس النواب بزعامة رئيسة المجلس نانسي بيلوسي للتقدم بمشروع قانون يسهّل تفعيل التعديل الدستوري الخامس والعشرين ، والذي يتعلق بعزل الرئيس!.

في مثل هذه الحالة يصبح كل شئ مسيّس ، فاستطلاعات الرأئ حاليا تشير إلى تقدم المرشح الديمقراطي ، جو بايدن ، بأكثر من عشر نقاط ، ولكن إذا تابعنا انحياز المنصات الإعلامية ، التي تعلن هذه الإستطلاعات ضد ترمب ، يصعب تصديق أنها ليست مسيسة ، خصوصا وأنها لا تتواءم مع معطيات أخرى ، مثل الحضور الكبير والحماس في تجمعات ترمب الإنتخابية ، وما تظهره وسائل التواصل الإجتماعي من دعم كبير لترمب ، مع الأخذ في الإعتبار أن لدى ترمب شرائح مخلصة ، ومثلها كارهة له ، ما يعني أن هناك شرائح من الناخبين ستصوت لبايدن رغم عدم قناعتها به ، لأنها لا تريد أن يبقى ترمب رئيسا ، وبالتالي فهذا تصويت ضد ترمب أكثر منه تصويت لبايدن ، وهذا من أخطر ما يواجهه ترمب.

أعود إلى لغة الأرقام فيما يتعلق بإعادة الإنتخاب ، فقد جرت العادة أن الرئيس القابع في البيت الأبيض يعاد انتخابه ما لم يرتكب غلطة كبرى أو تحدث أزمة مزمنة في عهده ، فالأرقام تقول إن ٩ رؤساء من أصل ١١ تم إعادة انتخابهم خلال السبعين عاما الماضية ، أي بنسبة ٨٠٪؜ ، فقد أعيد انتخاب الجنرال ديويت ايزنهاور في عام ١٩٥٦ ، وأعيد انتخاب ريتشارد نيكسون في عام ١٩٧٢ ، وبينهما اغتيل الرئيس كينيدي ، الذي كان سيعاد انتخابه حتما لو كان حيا ، وقرر الرئيس ليندون جانسون عدم الترشح لإعادة الإنتخاب في عام ١٩٦٨ ، ثم خسر الرئيس جيرالد فورد معركة الإنتخاب في عام ١٩٧٦ ، ولكن لا يقاس عليه ، فهو لم ينتخب للرئاسة ، بل خلف الرئيس المستقيل نيكسون ، ثم خسر الرئيس جيمي كارتر معركة إعادة الإنتخاب في عام ١٩٨٠ ، وكان هذا بسبب احتجاز ايران لرهائن امريكيين ، ثم فاز الرئيس رونالد ريجان بإعادة الإنتخاب في عام ١٩٨٤ ، وفاز الرئيس بيل كلينتون بمعركة إعادة الإنتخاب في عام ١٩٩٦.

وكان الرئيس الثاني الذي يخسر معركة إعادة الإنتخاب منذ كارتر هو الرئيس جورج بوش الأب ، وذلك لأن انتخابات ذلك العام كانت بين ثلاثة مرشحين رئيسيين ، بوش الأب وبيل كلينتون ومرشح حزب الإصلاح روس بيروت ، ولأن بيروت محافظ مثل بوش ، فقد سحب كل الأصوات التي كانت ستصوت للأخير ، ومنح الرئاسة لكلينتون ، ثم فاز الرئيس جورج بوش الإبن بإعادة الإنتخاب في عام ٢٠٠٤ ، رغم تبعات حرب العراق الكارثية عليه ، ثم فاز باراك اوباما بمعركة إعادة الإنتخاب في عام ٢٠١٢ ، ويتضح من التفصيل السابق أن ٩ من أصل ١١ رئيسا فازوا بمعارك إعادة الإنتخاب خلال السبعين عاما الماضية، ولم يخسر إلا كارتر وبوش الأب للأسباب التي ذكرناها ، وهذا لا يعني أنني أتنبأ بفوز ترمب هذا العام ، وذلك لأن انتخابات هذا العام مختلفة وتأتي في ظروف استثنائية غير مسبوقة ، ولكني أؤمن بلغة الأرقام التي لا تكذب ، فهذه أرقام موثقة سجلها التاريخ وليست استطلاعات رأي تتنبأ بالمستقبل ، وأنتم ماذا تعتقدون؟!