أقول هذا بعد اتفاق السلام مع إسرائيل، وبعد الأداء المتميز والإنساني في تطبيب دولنا لمجتمعاتها من جائحة كورونا، مقابل تراجع السلم الأهلي والوعي المجتمعي-الحكومي في الغرب، وسط فورة بعض القيادات اليمينية واستفحال استحقاقات الحريات المكابرة، وما أنتجت من فشل في الأداء الصحي وحلول الاقتصاد الاجتماعي، أدى بدوره في دولة مثل الولايات المتحدة لتعبئة يسارية قد لا يفلح عقلاؤها في كبح رغبة متطرفيها في مضاهاة تطرف اليمين الآفل عن قريب.

من الضروري استنفار الدبلوماسيين العرب لمراقبة تطورات التشريعات التنموية في الدول ذات الوضع المتقدم فيها – لأن إقرارها هناك يتحول إلى أوامر بمحاكاتها من قبل سفراء تلك الدول في عواصمنا وغيرها، لا لأجلنا ولكن لتعميم الممارسات والسياسات الأكثر خدمة وملاءمة لمصالحهم. من أجل ذلك تكون المتابعة لتطور المصالح الوطنية على جميع الأصعدة وفق قراءة لتفوقها أو تراجعها في العواصم الرئيسية. فائدة ذلك هي الإمساك بأمثلة النجاح الوطني التي قد يغفلها أو يتجاهلها المراقبون في تلك الدول أو من يغذيهم بالتقارير من سفاراتهم عندنا.

هذه مرحلة تستدعي المواجهة المقتضبة والواضحة، لأن المتقلدين للسلطة بعد أيام في واشنطن والعواصم التي في فلكها يستهويهم ترويج نماذجهم بتوجيه أصابع الاتهام، وعلينا مقابل كل انتقاد أن نقدم مثالاً للأفضلية أو التميز أو السعي البنّاء في المجال ذاته الذي يضمنونه القدح، ومقارعة الحجج بأوجه التقصير لديهم، وأحقية الدول أن تأخذ مداها في مواءمة القبول لعوامل تتطلب وقتا ضمن العقد الاجتماعي القائم لديها، بدل أن نطالب من قبل ساسة وحقوقيين أجانب جهلاء أو مغرضين بحرقها كمراحل من دون احتساب العواقب من منطلق مصالحنا لا مصالحهم.

يجب أن يستمع أصغر مفاوض وجامع معلومات من أولئك لرأي حاسم ممن هو برتبته الوظيفية نفسها لدينا، بدل قيامه ومن يعلوه شأنا بجمع المعلومات حسب أهوائهم ومراكمة مفاهيمها عن جهل وبناء صورة سلبية، لا تناقش إلا على مستوى القادة وكبار المسؤولين، من غير أن تحظى بشرعية الدفاع عنها في الأوساط الوظيفية الدنيا والفضاء الشعبي. 

غاية المراد هو أن يكون كلٌ من الدبلوماسي العربي ومواطنه المسؤول الموازي لمجال اطلاعه بالوعي نفسه وبالموقف ذاته، للتعامل مع الافتئات، والأهم، للتفاوض في الساحتين على المصالح المشتركة، بدل تلقي العروض والإملاءات والانتقادات دون ما يكفي من حجج للرد، كما حدث في السابق.