وبالتالي نشهد تحول المستثمرين في أسواق الأسهم من أسهم شركات التكنولوجيا إلى أسهم الشركات الراسخة التقليدية مثل شركات الطاقة والبنوك والشركات المالية.

لكن الإعلان عن صفقة استحواذ عملاق التكنولوجيا مايكروسوفت على شركة تطوير ألعاب الفيديو أكتيفيجن بليزارد يوم الثلاثاء بقيمة 75 مليار دولار (أكبر استحواذ تقوم به مايكروسوفت من حيث القيمة السوقية) يشير إلى أن شركات التكنولوجيا تظل محط أنظار العالم. يعزز ذلك فرص الاستثمار في الابتكارات الجديدة، ويفتح السوق أكثر أمام شركات تكنولوجيا ناشئة والتفاؤل بالاستثمار في المجالات التكنولوجية الجديدة.

على مدى عامي 2020 و2021، أي فترة أزمة وباء كورونا، شهدت شركات التكنولوجيا فترة عزها من حيث ارتفاع قيمتها السوقية ودخول شركات صغيرة جديدة للسوق.

في الوقت نفسه، كان للتراجع في الاهتمام بالشركات التقليدية والاهتمام بشركات التكنولوجيا تأثير جانبي بدا واضحا في عمليات الاندماج والاستحواذ التي تضاعف عددها تقريبا في العامين الماضيين. وليس الاندماج والاستحواذ دائما مدفوعا بالحاجة لتقليص النفقات في أوقات التراجع، وإنما أيضا يحدث ذلك بغرض اقتناص الفرص في حالة الصعود والنمو.

ربما كان ذلك المبرر القوي لسلطات تنظيم الأسواق والأعمال لإعادة النظر في قواعد وقوانين الدمج والاستحواذ.

صحيح أن الهدف الرسمي للسلطات الحكومية هو حماية حرية المنافسة ومواجهة احتمالات الاحتكار، لكن هناك الآن عامل مهم وهو تقييد احتمالات التضخم الهائل خاصة لشركات التكنولوجيا الكبرى في العالم وبالتالي زيادة قدرتها على تجاوز القواعد والقوانين.

وبغض النظر عن معايير حرية السوق، ورغبة الشركات والأعمال في مزيد من السهولة في التعامل عالميا والغاء ما تسمى "القيود البيروقراطية"، فإن هذا التوجه للسلطات المنظمة للأعمال يوفر فرصة للشركات الناشئة ويفتح الباب أما مزيد من الاستثمارات الجديدة خاصة في مجال التكنولوجيا مقابل نمو وتوسع الشركات القائمة فقط – والكبرى منها بخاصة.

مع توقع الاستمرار في رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية هذا العام ستشهد أسهم شركات التكنولوجيا عمليات بيع ما يؤثر على توفر السيولة لأغلبها.

وربما يدفع ذلك باتجاه كزيد من عمليات الاندماج والاستحواذ لمواجهة التراجع في القيمة السوقية.

ورغم ما قد يبدو في ذلك من "تركز" لقطاع التكنولوجيا في عدة شركات كبرى فقط، إلا أن جهود سلطات تنظيم الأعمال والطلب المتنامي على منتجات التكنولوجيا المتطورة كفيل بتوفير فرص ظهور شركات صغيرة جديدة في القطاع.

يساعد على ذلك أيضا التطور الكبير في السنوات الأخيرة لصناديق الاستثمار غير محددة النشاط التي تستهدف الاستثمار في الشركات الناشئة خاصة في مجال التكنولوجيا.

ولأن هذا المجال لم يتشبع بعد بالابتكار والأفكار فهو يوفر فرصة رابحة لتلك الصناديق. من هنا تأتي أهمية تركيز المهتمين بالاقتصاد، خاصة في الدول الصاعدة والنامية، بتشجيع الابتكار التكنولوجي والاستثمار في البنية الأساسية والموارد التي تدعم تطوره.

يبدأ ذلك من مناهج التعليم إلى مراكز التدريب والتطوير وتعديل اللوائح والقوانين بما يسهم في اكتشاف المواهب وتأمين فرص صعودها.

لعل صفقة استحواذ مايكروسوفت على أكتيفيجن بهذا المبلغ الهائل (وكله نقدا بشراء أسهم) تشير إلى أهمية هذا الجانب من قطاع التكنولوجيا: تطوير الألعاب. فقبل سنوات ليست بالكثيرة كانت ألعاب الفيديو قاصرة على فئة صغيرة في المجتمعات المتقدمة، أي تلك التي يمكنها تحمل كلفة شراء أجهزة ألعاب مثل بلاي ستيشن أو ناينتندو أو إكس بوكس.

لكن مع الانشار الواسع للهواتف الذكية وإمكانية استخدام تطبيقات رقمية عليها للألعاب الاليكترونية أصبح الطلب على الأعاب أضعافا مضاعفة. وتوسع سوق الاستهلاك ليطال أغلب بلدان العالم ويصل إلى أغلب السكان في تلك البلدان.

قد يبدو أن السوق أوشك على التشبع، لكن الواقع أن فرصة الابتكار كبيرة في هذا المجال ويمكن للمستثمرين الصغار دخول السوق بابتكارات مميزة تصنع لنفسها أنماط استهلاك جديدة.

هذا فقط في مجال الألعاب الاليكترونية وألعاب الفيديو بتطبيقات على الهواتف الذكية.

لكن المجالات كثيرة في قطاع التكنولوجيا، وربما يكون هذا القطاع من قطاعات الاقتصاد العالمي واعدا أكثر من غيره من حيث فرص النمو واتاحة دخول مستثمرين جدد في السنوات القادمة.

الخلاصة أن التكنولوجيا تكسب، ليس فقط بسبب تحول العالم للتكنولوجيا والمنتجات الرقمية في أزمة وباء كورونا ولا حتى بسبب اقبال المستثمرين على أسهم شركاتها في الفترة الأخيرة.

بل إن الفترة القادة، مع ما تشهده من تشديد للسياسات النقدية وتغيير قواعد لوائح تنظيم الأعمال ربما توفر فرصا أوسع لمن يرغب في الاستفادة من النمو في قطاع التكنولوجيا.