لم يعتمد الجهاز الذكي على التبصير والتنجيم، هناك من لقمه المعطيات فاجتهد، وقطعا هو لحظ هامشا منطقيا للمفاجآت، سواء لجهة دقة الملقم وحياده أو لجهة أحوال اللاعبين أثناء المباريات.
لكن، ماذا لو حاول "الكومبيوتر الخارق" قراءة أحوال لبنان بحثا عن توقع لما سيؤول إليه مصير هذا البلد؟؟

أي هامش يمكن أن يأخذه بالحسبان؟؟

ماذا سيحدد من معطيات عندما يقرأ تغريدة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وفيها يقول إن "البلاد اليوم في ظل مقاطعة مجلس الوزراء ورفض الحوار ورفض الإصلاح"؟؟ أين المعلومة في هذه التغريدة؟؟

كيف سيقرأ تصريح نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم بأننا "انتهينا من المرحلة التي يقال بها هل نريد مقاومة في لبنان أو لا نريد، وأصبحنا في مرحلة يقال بها إنّ المقاومة أصبحت دعامة من دعامات لبنان لا يستطيع أحد أن يهزّها"؟؟

أين يضع تصريح البطريرك الماروني بشارة الراعي ورفضه بقاء "دولة لبنان جزءاً لا يتجزأ من محور الممانعة وحروبها واضطراباتها المستجدة، وتضع لبنان في صفوف الدول المعادية للأسرتين العربية والدولية وجزءاً من العالم المتخلف حضارياً واقتصادياً ومالياً على غرار وضع سائر دول الممانعة".

أو عندما يتلقف ما تسربه مصادر في "التيار الوطني الحر" من أنّ "هناك قراءة دستورية وقانونية تحول دون التجاوب مع دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى جلسة اليوم"؟؟

وإذا حاول تجميع النقاط المشتركة في المواقف، سيجد أن موقف "حزب القوات اللبنانية" مطابقا لموقف خصمه "التيار الوطني الحر" في مسألة عدم جواز انعقاد جلسة لحكومة تصريف أعمال في ظل الفراغ الرئاسي، وكذلك موقف البطريرك الماروني.

لكن لحظة.. البطريرك يشجب مصادرة محور الممانعة لسيادة لبنان، في حين يصر "التيار" على التحالف مع هذا المحور.. كذلك سيجد أن مواقف "حزب الله" الحكومية تناقض مواقف "التيار"، وهو حليف الحزب ومنفذ سياساته.

كما أن الفريق المُطالِب بتطبيق الدستور في مسألة عدم جواز انعقاد جلسة للحكومة المستقيلة، يرفض تطبيقه لجهة الالتزام بتأمين النصاب في جلسات مجلس النواب، ويتشارك في هذا الموقف مع الذين يؤيدون انعقاد جلسة للحكومة المستقيلة. ويعرقل هو إياهم انتخاب رئيس للجمهورية وملء الشغور في قصر بعبدا، وإعادة الحياة إلى السلطة التنفيذية من خلال تشكيل حكومة تفعل العمل في إدارات الدولة.

كيف يمكن لجهاز، مهما كان ذكاؤه الاصطناعي خارقا أن يجمع حصيلة مفيدة وكفيلة من هذا المشهد السياسي، ليتمكن من رسم بيانات وتقطيع معلومات تساهم بالدراسة والتحليل العلمي ليخلص إلى نتائج وفق ما ينص عليه الدستور الذي تنتهكه الأطراف السياسية الفائقة الذكاء والدهاء في تجنب الأسس العلمية والمنطقية واستغباء العقول البشرية، وازدراء العلم والذكاء الاصطناعي من ألفه إلى يائه؟؟

هل سيتمكن هذا الجهاز من قراءة مشهد الاحتجاجات والمظاهرات في 2019، ومن ثم انهيار الوضع المالي والاقتصادي وسعر صرف الليرة، وبعد ذلك جريمة تفجير مرفأ بيروت التي صنفت الأعنف والأقوى بعد انفجار هيروشيما، ومع هذا ممنوعٌ التحقيق لكشف ملابساتها بعد الفتك المتعمد بالسلطة القضائية.. ومن ثم مقارنة حيثيات هذه الوقائع بنتائج الانتخابات النيابية التي أعادت المنظومة بما يستلزمها من نفوذ حتى تواصل تحكمها بالسلطة وتدميرها مرافق البلد؟؟

بالتأكيد لن يحتمل "الكومبيوتر الخارق" كل هذه التناقضات في المعطيات.

لعل من أخترع هذا الجهاز وبرمجه لم يتعرف قطعا إلى لبنان وأزماته المفتعلة بذكاء شيطاني للفريق الحاكم على حساب القوانين والدستور.

سينفجر الجهاز بالتأكيد إذا ما تطرق إلى الأزمة اللبنانية، وسيجن كل من يحاول برمجته وفق ركائز علمية ومنطقية.. في حين ستبقى هذه الأزمة على حالها من الاستعصاء على الفهم والغموض غير البناء.