تأخّر طويلا قرار إرسال دبابات القتال المتطورة من دول حلف "الناتو" إلى أوكرانيا، بعد توافقات داخل الحلف، خاصة بين ألمانيا والولايات المتحدة، بشأن أهمية المشاركة بينهما كي تقوم برلين بالإمداد بدبابتها "ليوبارد"، أسوة بما تبادر به واشنطن دعما بالدبابة "أبرامز"، وكلتا الدبابتين من أحدث الأنواع في ترسانة حلف "الناتو" بل وعلى مستوى جيوش العالم.

طبقا لِمَا أعلن حتى الآن عن صغر أعداد الدبابات التي سوف ترسل لأوكرانيا، يمكن اعتبار أن هذا التحول في موقف "الناتو" لن يشكل تغيرا جوهريا في مسار الحرب، وبمعنى أدق هذه الخطوة حتى الآن يمكن تقييمها كعمل رمزي؛ يهدف إلى تأكيد استمرار وعمق تأييد الغرب لكييف.

أعلنت الولايات المتحدة وألمانيا رسميا أنهما سوف تدعمان أوكرانيا مبدئيا في خلال 3 أشهر بدبابات قتال متطورة، حيث سترسل واشنطن 31 دبابة "إم 1 أبرامز"، وترسل برلين 14 دبابة "ليوبارد 2"، وكل منهما دبابة بقدرات فائقة، وفي مراحل تالية يقوم البلدان بتقديم المزيد ليرتفع العدد إلى مائة دبابة من الولايات المتحدة ومثيلتها من ألمانيا، بينما أبدت عدة دول أوروبية رغبتها في أن تسمح لها ألمانيا بتقديم دبابات ليوبارد التي تخدم في ترسانة جيوشها، ووعدت بريطانيا بتقديم عدد من الدبابة "تشالنجر" دون إعلان عن العدد المتوقع.

يأمل الأوكرانيون في توفير حشد من الأسلحة الثقيلة، تكون قادرة على صد هجوم شامل تشير التكهنات إلى احتمال قيام الروس بتنفيذه مع حلول فصل الربيع المقبل. ومن ناحية أخرى، طبقا لما هو معلن من كييف فإنها تخطط للقيام بهجوم مضاد على نطاق واسع لاسترداد أراضيها في شرق البلاد.

لكن الجيش الأوكراني سوف يواجه تعقيدات لوجستية مع وصول الدبابات الأحدث في ترسانات الجيوش؛ منها على سبيل المثال وليس الحصر أن محرّك الدبابة الأبرامز التوربيني يحتاج إلى تموين خزانات الدبابة بكمية ضخمة من وقود الطائرات الشحيح، وليس الديزل الأكثر توفرا ورخصا.. يستهلك المحرك نحو 4.7 لكل كيلومتر، مما قد يتسبب في صعوبات لوجستية للإمداد به في ظل تواصل العمليات الحربية، كما أن استمرار تموين الدبابات في مسرح العمليات يتطلّب نظرا لمعدلات الاستهلاك ضرورة قرب وسيلة الإمداد بهذا الوقود الحساس؛ لملاحقة احتياجات الدبابات ميدانيا.

في بداية الحرب الروسية الأوكرانية، قامت القوات الروسية بدفع عدد كبير من الدبابات في مسرح العمليات، لكنها تكبدت خسائر كبيرة نظرا لما طرأ على أنظمة التسليح الخفيفة من تطور جذري في أساليب صد وتدمير الأسلحة المدرعة، ضاعف هذه الخسائر دور الأقمار الصناعية لدول الغرب في تقديم معلومات استطلاع دقيقة، عززتها أيضا الطائرات المسيرة التي استُخدمت أنواع هجومية منها في مضاعفة خسائر الدبابات الروسية، وبناءً على هذه الأوضاع غيرت موسكو من تكتيكات استخدام المدرعات، وقللت في عملياتها من أعداد الدبابات تحاشيا لمزيد من الخسائر، وعدل الروس من أساليب تحرك القوات واستحدثوا أنماط تأمين لها في مواجهة التغيرات الميدانية التي استجدت.

هنا يتبادر لقراءة المشهد الجديد بعد ما تعرضت له الدبابات الروسية في بداية الحرب الدائرة سؤال مهم عن قدرة الدبابات التي ستحصل عليها أوكرانيا على إحداث تغير سريع يعزز موقفها على الأرض.

يرتبط هذا التساؤل بعدة اعتبارات منها ما أشار إليه كولين كال، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية، من أن تشغيل وصيانة الدبابات المرسلة إلى كييف يحتاج بسبب تعقيدات الاستخدام إلى عدة أشهر لتدريب الأطقم.

في بُعد آخر، تحظر واشنطن بيع أو تصدير دبابات "أبرامز" المصفحة بدروع اليورانيوم المستنفد، لتحافظ على سرية هذه السبيكة، وعند بيع الدبابة إلى الدول الأخرى أو الإمداد بها كما في حالة أوكرانيا، يتم استبدال نوعية تدريع هذه السبيكة السرية بهياكل مصفحة أخرى.

كما أنّ ضآلة إعداد الدبابات التي ستدعم بها واشنطن وبرلين في المرحلة الحالية لن تحدث فارقا جوهريا في توازنات القوى بين طرفي الحرب، وهو ما يمكن حدوثه إذا زاد الدعم ليصل إلى مئات الدبابات؛ لتمكين الجيش الأوكراني من تشكيل عدة ألوية، مع الأخذ في الاعتبار أن عرش الدبابة اهتز كثيرا في الحرب الأخيرة، بل ومن قبلها أمام الأسلحة المضادة الخفيفة وما استجد من دور للمسيّرات.