الاضطراب الدبلوماسي والضرر السياسي والأمني للمنطاد الصيني الذي استنفر الولايات المتحدة ليوم ونصف وأسقطته مؤخرا يوازي أو يتغلب في منفعته ما حدث سنة 2001، عندما اصطدمت مقاتلة صينية J8 بطائرة استطلاع أميركية EP3، واضطرت الأخيرة للهبوط اضطراريا في جزيرة هاينان. حينها خضع أفراد طاقم الطائرة الـ24 للاستجواب والطائرة للتفتيش الدقيق جدا بتفكيك أجزائها، وأخذت الصين ما تيسر من المعلومات الاستخبارية القيمة بالمجان.

آنذاك، قام السفير الأميركي لدى الصين جوزيف بروهر بتسليم وزير الخارجية الصيني تانغ جياشوان رسالة أطلق عليها مسمى "رسالة الاعتذارين"، الأول عن وفاة الطيار الصيني وانغ واي والثاني عن دخول المجال الجوي للصين دون إذن شفوي من سلطة الطيران. أدت الرسالة إلى الإفراج عن الطاقم وتسليمهم لبلدهم، مع أجزاء طائرتهم المفككة.

حدث ذلك في 1 أبريل 2001، قبل أشهر من هجمات سبتمبر، وفي يوم كذبة أبريل. وأعادت الصدفة أو الخطة (بحسب التخمينات) التاريخ ولكن بدون طاقم أو مجسم واجب إعادتهما. المنطاد رسم سيناريو مقلق وكوميدي شبيه بفلم الرسوم المتحركة Up الذي طار فيه منزل مربوط ببالونات كثيرة.

المنطاد أقلق الشعب واستنفر الساسة بتجاذباتهم الحزبية، وشكك في عزم القرار لطول الانتظار النسبي قبل إسقاطه، وأفزع الشارع لاحتمال نجاح كاميراته أو مستشعراته في جمع ما تيسر من الصور والتسجيلات لمواقع حساسة وحيوية، واستنفر مدمني ومحرضي نظريات المؤامرة لنشر القلق عن احتمال احتوائه على قنبلة ما أو فيروسات قاتلة.

في المقابل، شاهد العالم بأسره ما الذي تراعيه الولايات المتحدة سياسيا وأمنيا ودبلوماسيا وأين ومتى تنفذ ما تتخذه من خطوات عند حدوث اختراق كهذا، وفوق أي المناطق روعيت السلامة ونوقشت السرية، وفوق أيها تقرر قصفه، وفي أي الولايات تعالت الأصوات المحرضة والمتعقلة، وأين مواضع الوجع والتلكؤ والاستجابة في الدولة الظاهرة والعميقة حيال بالون الاختبار العملاق الذي مر فوقها، وبالطبع تأثير محتمل على الانتخابات المقبلة بتسجيل نقطة ضد صورة الرئاسة الحالية.

هنالك كم من التحليلات الصريحة والضمنية سيخرج من المعسكرين، وهنالك دروس لدول عديدة تُستشف مما حصل، ويبقى ما قد ينتشله الأميركان من أنقاض أجهزة المنطاد إن كان مما ينتفع به، وجدوى الإفصاح عنه في حينه ظاهريا أو تأجيل ذلك لوقت أشد وقعا.

لا الصين تبالي بما تذمها به أميركا من اكتساب المساحات التجارية على حسابها، ولا أميركا تبالي بذم الصين للعقوبات الاقتصادية المفروضة على بعض شركاتها وصادراتها، ولا التحركات لتأليب الجيران ضدها.

أمام هذه السريالية في العناد وجس النبض المتبادل، يصدق قول شاعرنا الكبير في عنوان المقال.