الآن وبعد أن تحدد موعد الزيارة، كيف يتعيّن عليه قراءتها استراتيجياً؟ وهل يجوز افتراض إنجاز ما اتفق عليه الطرفان في موسكو؟.

مؤشران يدعمان حدوث حلحلةٍ من نوع ما، في الملفات السياسية العالقة بينهما، إلا أنه من الجائز كذلك افتراض أن الرياض باتت أكثر استعداداً لتحفيز موسكو على الانخراط بشكل أكثر فاعلية في إعادة التوازنات المفقودة للشرق الأوسط. فإعلان الرئيس بوتن وقف العمليات العسكرية الكبرى في سوريا، خلال كلمته في منتدى فالداي، قد يكون المؤشر الأول ، وثانياً، تقليد سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (بالنيابة عن خادم الحرمين الشريفين) وشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الثانية لكيريل ديمترييف، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الروسي المباشر، الذي استبق زيارة الرئيس بوتن، بإعلان افتتاح مكتبٍ للصندوق في الرياض.

تدرك الرياض أن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي بالأمس، وكذلك المملكة العربية السعودية اليوم، وسبق أن حقق تقاربهما، الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة في منظمة أوبك وباقي المنتجين خارجها. إلا أن إيجاد المقاربات في الأبعاد السياسية لا يزال غائباً حتى الآن.

إن إعادة الاستقرار للمنطقة، هو التحدي الأكبر في ظل غياب إرادةٍ دولية أو شركاء استراتيجيين راغبين في تحقيق ذلك. لذا قد تطمح الرياض إلى إقناع الرئيس بوتن، بالانخراط بشكل أكثر فاعلية في تحفيز إيران على الاعتراف بضرورة إيجاد مخرجٍ سياسي للحالة السورية. تدرك الرياض الأهمية الاستراتيجية لإيران بالنسبة للروس، إلا أن على روسيا إيجاد حالة من التوازن في علاقاتها بالطرفين. فإن كانت إيران القوة شبه المهيمنة في الشرق الأدنى الهش سياسياً، فذلك كان نتيجة تمكينها من قبل بعض الكبار وروسيا منهم.

المملكة العربية السعودية اليوم، هي القوة الصاعدة الكبرى في الشرق الأوسط، والبوابة الأهم إلى إفريقيا. لذلك يجّب على الرئيس بوتن عبور بوابة الرياض برجله اليمنى لإثبات حُسن نواياه كصديقٍ وحليف، وقد يتعيّن عليه التخلي أولاً عن ابتكار منصّة يمنية جديدة، على غرار منصات سوريا التي ابتكرها في موسكو وأماكن أخرى. فالملف اليمني لا يحتمل مزيداً من التعقيدات في المقام الأول. أما المقام الثاني، فهو ما يمثله اليمن بالنسبة للأمن القومي السعودي.

لن يكون تطوير التفاهمات الاستراتيجية مستحيلاً، خاصةً في مجالات الطاقة، وقد تمتد إلى مجالات أخرى مثل تقنيات التحصين السبراني أو الشراكات في مجال الأبحاث المتقدمة، التي تفتقر لمصادر التمويل في روسيا. غير أن الطموح الروسي قد يتجاوز ذلك بكثير، خاصةً البرنامج النووي السعودي، ليمتد من التعدين إلى بناء المحطات النووية إلى توليد الطاقة، ناهيك عن سوق السلاح. مثل ذلك الاختراق هو ما يمنّي به الرئيس بوتن نفسه، إلا أن الرياض تدير علاقاتها الاستراتيجية، من خلال توازنات دقيقة، يتعين على الرئيس بوتن تفهمها، لإحداث ما يطمح إليه من اختراقات استراتيجية.

إن الوصول إلى مياه الخليج الدافئة، لا يتم بالضرورة عبر إيران، أو عن طريق البوارج.