ولكن قبل التشاؤم والأفكار السلبية، ربما يجب التمعن بما أعلنه رئيس الجمهورية ميشال عون في تعليق عبر تغريدة تتعلق بـ"أفكار مبادرة لإعادة بناء الثقة. وستكون موضع تشاور لإعلان الموقف المناسب منها".

حبذا لو تضمنت التغريدة إقرارا بأن بنود رسالة الدول الخليجية هي بديهيات وأولويات يحتاجها لبنان قبل غيره ليعود دولة طبيعية.

أما الإيحاء بأن المقترحات تحتاج إلى درس وتمحيص قبل أن يحمل الرد وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب إلى الكويت.. فهو ينبض بالتباسات لا تكفي تصريحات خشبية لتوضيحها وتفعيلها، كالتأكيد أن "لبنان يرحب بأي تحرك عربي من شأنه إعادة العلاقات الطبيعية بين لبنان ودول الخليج العربي، وهو ملتزم تطبيق اتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية والقرارات العربية ذات الصلة".. أيضا وفق التغريدات الرئاسية المندرجة في باب رفع العتب.

لو أن أحدا من المستشارين الأفذاذ المحيطين بالرئيس يهمس له أن مثل هذه المعزوفة لا تفي بالمطلوب، وإذا بنيت الأجوبة وفق فلسفتها، فهي لا تحتاج أياما خمسة، ولا حتى دقائق خمس.

وهي لا تثمر عودة إلى الدولة الطبيعية تحت سقف الشرعيتين العربية والدولية، في حين تسرح وتمرح "دويلة" عدائية خارجة عن القانون والأعراف الديبلوماسية والقرارات العربية والدولية.

وفي حين يعجز مجلس الوزراء المنعقد اليوم، بعد ثلاثة أشهر من الشلل بفضل "الدويلة" على طرح مضمون الرسالة الخليجية وبحثه خلال الاجتماع.

وفي حين كشفت تسريبات إعلامية عن دوائر الرئاسة الأولى أنّ عون أبدى تحفظه أمام الضيف الكويتي على مطلب نزع سلاح الميليشيات في لبنان، في إشارة إلى استحالة حل مشكلة سلاح "حزب الله" باعتبارها "مشكلة إقليمية أكثر منها لبنانية".

لذا ليس مهما أن مثل هذا الطرح هو تشاطر وتذاك والتفاف على واقع رضوخ المنظومة السياسية لإملاءات "حزب الله" ومشغله الإيراني، والاكتفاء بالإيحاء أن الدولة في مكان والحزب وارتكاباته تجاه لبنان أولا، ومن ثم الدول التي يستطيع إيذائها في مكان آخر. فمبدأ فصل السلطات بين الدولة و"الدويلة" لم يعد يجدي نفعا.

بالتالي فإن مهلة الأيام الخمسة التي أعطتها الدول الخليجية للجانب اللبناني على أمل تقديم إجابات واضحة ومباشرة حيال النقاط الواردة في الرسالة التي نقلها وزير الخارجية الكويتي، لن تحمل معجزات ينتظرها الشعب اللبناني قبل غيره.

وغني عن الإشارة أن لا أحد من المسؤولين اللبنانيين يملك الجرأة ليتوجه إلى مسببي البلاء والعداء مع العالم العربي والمجتمع الدولي بما انعكس وينعكس بؤسا على الداخل اللبناني.

وبالطبع، لا يستطيع مجلس الوزراء المنعقد اليوم، مواجهة ممثلي الحزب في الحكومة بتفاصيل الرسالة الخليجية التي توزعت بنودها بين مطالبة الحكومة اللبنانية بتنفيذ إصلاحات جذرية تشمل جميع القطاعات ولا سيما منها قطاع الكهرباء ومكافحة الفساد وضبط الحدود والمعابر، والالتزام باستكمال تنفيذ اتفاق الطائف، وتطبيق قرارات مجلس الأمن 1559 و1701 و1680، وتعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان، وحصر السلاح بيد مؤسسات الدولة، ووقف العدوان اللفظي والعدائي ضد الدول العربية والخليجية، وضمان ألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع استقرار وأمن المنطقة العربية أو مقراً وممراً لتصدير المخدرات إلى الدول العربية.

وليس مهما ما يمكن أن يقال في الغرف الجانبية عن رفض لممارسات الحزب، وعجز عن لجمه. فالإشهار وتسمية الأمور بأسمائها الصريحة والمباشرة هو المطلوب. وذلك ليس تلبية لشروط تفرضها الدول لدرء خطر الحزب وغيره من الأذرع الإيرانية عنها، لأن هذه الدول قادرة على حماية نفسها، ولكن حتى تبدأ المسيرة الجدية باتجاه تحديد المسؤوليات عن الضرر الذي يدفع لبنان واللبنانيون ثمنه.

لو أن في هذه المنظومة من يهمه فعلا إنقاذ البلد والناس، لسارع إلى استغلال هذه الرسالة واتخذها حجة لتبدأ المواجهة الحقيقية بغية رفع أذى "حزب الله" المصادر للدولة وسيادتها والتارك الفاسدين ينهبون ما تبقى من مال عام، ويهملون حتى الوسائل البدائية والمنطقية للشروع في لجم الانهيار الاقتصادي الحاصل.

فالمواجهة لتحقيق خطة الإنقاذ يجب أن تبدأ بضبط المعابر البرية والبحرية والجوية للحد من تصدير الإرهاب والمخدرات، أو حتى منع عقد مؤتمرات للتهجم على دول الخليج، أو حتى محاسبة المغردين المعروفين بالاسم ومكان الإقامة من الشاتمين والشامتين بالعدوان الحوثي على الإمارات، عوض محاسبة من ينتقد "حزب الله" واتهامه بالتحريض على الاقتتال الداخلي والفتنة المذهبية.

أما الوعود بدرس المبادرة وما تضمنته، فهي وعود غاية في الجدية..  ذلك أن فطاحل السياسة عندنا سيعمدون إلى الاجابة برسالة خطية على كل بند من بنود المقترحات الخليجية.

وكل كلمة ستندرج في الرد يجب وزنها بميزان الذهب.. وليس مهما إذا حافظت الردود على ما عهدناه من تشاطر وتذاك لهذه المنظومة التي تسعى إلى الترقيع.. المهم أن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب بارع في المخاطبات الدبلوماسية التي تؤكد أن "حزب الله" مشكلة إقليمية وأن لبنان سيحتفل إذا ما تبرعت دولة كالولايات المتحدة باقتلاعه وتخليص البلد منه. كما صرح في دردشة إعلامية عقب سحب السفراء..

وفي الانتظار.. سمع هس.. سكوت من فضلكم.... كفوا عن التشويش.. خففوا الضجيج الداخلي والإقليمي..... لبنان يدرس.. لديه امتحان يقدمه آخر الشهر.. ويحتاج إلى هدوء وتركيز وصلوات باقتراب الفرج.