في الجانب السياسي يلعب ترامب على وتر استمرار الحرب في أوكرانيا وعدم قدرة إدارة بايدن على إدارتها وايقافها، حيث أشار ترامب بأنه الأقدر من بايدن على إيقاف الحرب خلال 24 ساعة إذا اصبح سيد البيت الأبيض.

وقد يكون ذلك بمثابة رسالة للشعب الأميركي لاستمالة أصواتهم خلال الانتخابات القادمة، خاصة في ظل الدعم الكبير لإدارة بايدن لكييف والتداعيات الاقتصادية السلبية لاستمرار الحرب والمعبر عنها بالتضخم وارتفاع أسعار كثير من السلع الأميركية والتي تحسس بها المواطن الأميركي بشكل مباشر، لكن ثمة عقبات حقيقية تحول دون نجاح ترامب في السباق إلى البيت الأبيض، وفي مقدمتها إعلان شخصيات من الحزب الجمهوري مواجهة ترامب وعدم إعطائه بطاقة العبور والترشح عن الحزب، ناهيك عن لائحة الاتهامات القضائية التي تلاحقه.

هاهو ترامب يتصدر المشهد الإعلامي والسياسي عبر احتمال توجيه لائحة اتهام ضده، على خلفية قضية الممثلة الإباحية، ستورمي دانييلز واسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد، ودفع لها 130 ألف دولار، لشراء صمتها على علاقة تقول إنها أقامتها معه في عام 2006.

والجدير ذكره أنه في بداية عام 2018، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» تفاصيل الأموال التي دفعها ترامب للممثّلة قبل الانتخابات الرئاسية في 2016، وفي يناير 2023 قدم مدعي عام نيويورك، ألفين برغ الديمقراطي، أدلة إلى هيئة المحلفين، ما اعتبره ساسة جمهوريين تحريكا سياسيا وليس قضائيا، وأن برغ يحركه الانتماء السياسي وليس القضائي.

هذا وتصدرت القضية عناوين وسائل الإعلام الأميركية فقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الادعاء العام في مانهاتن لم يبلّغ فريق ترامب القانوني بموعد توجيه التهم أو الاعتقال، في وقت أفادت شبكة "سي بي إس" أن مسؤولي إنفاذ القانون يكثفون استعداداتهم لاحتمال توجيه اتهامات جنائية لترامب الأسبوع المقبل، في حين نقلت شبكة "سي إن إن" عن المتحدث باسم ترامب قوله إن الرئيس السابق لم يتلق إخطارا من المدعي العام في مانهاتن بشأن أي لائحة اتهام محتملة. هذا ونقلت واشنطن بوست عن مصادر في جهاز الخدمة السرية (المسؤول عن حماية الرؤساء الأميركيين)، أنهم يتوقعون الحصول على إخطار من فريق ترامب القانوني في حال توجيه الاتهام إليه.

وعلى الجبهة القضائية، فإنه رغم تصميم ترامب على عدم الانسحاب من السباق الرئاسي باتجاه البيت الأبيض مهما كانت نتائج التحقيقات معه إلا أنه يواجه رزمة من التهم وقد تكون خطيرة وتودي بأحلامه، ومنها تحقيق المدعين في مقاطعة فولتون بولاية جورجيا، في مساعي ترامب وحلفائه لإلغاء نتائج انتخابات جورجيا لعام 2020، إضافة إلى التحقيق الذي تقوده وزارة العدل الأميركية، في قضية الهجوم على مبنى الكابيتول الأميركي وتكسير بعض محتوياته في 6 يناير من العام 2021 بطريقة لم تشهدها أميركا من قبل وصولاً إلى طريقة تعامل ترامب مع المواد السرية بعد تركه منصبه ورحيله عن البيت الأبيض دون مراسم متعارف عليها لتسليم بايدن البيت البيضاوي.

وتبعاً لذلك برز إلى الامام وبقوة حصول انقسام سياسي ومجتمعي بين النخبتين الأميركيتين على أساس الاختلاف في الرؤى حول ملفات دولية، وكذلك المصالح الأميركية بطبيعة الحال، وخاصة مع استمرار الحرب في أوكرانيا ودعم إدارة بايدن غير المحدود لكييف وهو ما سيكون له أثر مستقبلي عميق حول الدور الأميركي في العالم مع صعود نجم التنين الصيني على حساب التراجع الأميركي في إدارة أزمات دولية وانشغال إدارة بايدن بشكل أساسي بالحرب الأوكرانية.

يبدو أن وجه أميركا قد تغير خلال وبعد الانتخابات الأميركية السابقة، فالرئيس السابق دونالد ترامب كان حالة سياسية نادرة وصلت إلى سدة الحكم في البيت الأبيض؛ حيث جاء ترامب من خارج النخب السياسية بشقيها الجمهوري والديمقراطي.

ومع وصول ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة كانت بداية التغيير الفوقي المستند إلى تغييرات نوعية لفترة طويلة، وتلك الحالة من التغييرات هي ما جعلت ترامب يصل إلى الحكم وهو القادم من خارج الفئات والنخب السياسية، لتكون فترة حكمه حالة مختلفة كليّاً عن كلِّ مَن سبقوه في البيت الأبيض. وأن يطرح ترامب موقفاً حازماً حدَّ الصلافة من كل المؤسسات الأميركية بما فيها مؤسسات (الإعلام والاستخبارات)، وأن تكون فترة حكمه متواترة الصدمات للنخب، دون أن يفقد جماهيريته بشكل كلي.

يعتبر التصعيد السياسي والقضائي بين إدارة بايدن والرئيس الأميركي السابق ترامب بمثابة خطوات وتسخين لحملات انتخابات الرئاسة الأميركية القادمة، بغض النظر سواء ترشح ترامب نفسه أو غيره عن الحزب الجمهوري، لكن الثابت أن ثمة عوامل تساعد في نجاح ترامب. فالاتهام أو الإدانة لا يمنع دونالد ترامب مواصلة حملته للانتخابات الرئاسية، حيث توقع الخبير الدستوري في جامعة هارفارد، آلان ديرشوفيتز، توجيه الاتهام إلى ترامب وإدانته في مدينة نيويورك بسبب ما وصفه بـ«النظام القانوني غير العادل». لكن لا يزال بإمكانه الترشّح للرئاسة.