فقد كان يوم أمس الأكثر دموية منذ أن بادر "حزب الله" إلى فتح جبهة "مشاغلة" ضد إسرائيل تحت شعار مساندة قطاع غزة وتخفيف الضغط عن حركة "حماس" والفصائل الأخرى.

فما كاد اليوم ينقضي حتى وصل عدد قتلى الغارات الإسرائيلية من المدنيين ومقاتلي "حزب الله" ردا على استهداف صواريخ أطلقت من لبنان على مدينة صفد أكثر من أحد عشر فردا.

ولعل أخطر ما حصل كان الغارة الإسرائيلية قرابة منتصف الليل دفنت عائلة بأكملها تحت ركام مبنى في قلب مدينة النبطيّة الواقعة 30 كيلومترا من الحدود اللبنانية – الإسرائيلية.

وربما شكلت هذه الغارة الإسرائيلية ومضاعفاتها في لبنان في قلب معقل بيئة "حزب الله" اختبارا قاسيا لمسار حرب الاستنزاف التي اشعلها "حزب الله منفردا " في 8 أكتوبر الماضي ضد إسرائيل، بعدما تحولت مع مرور الوقت إلى حرب استنزاف متبادلة، وارتفعت معها الفاتورة التي يدفعها "حزب الله" وبيئته الحاضنة في الجنوب اللبناني، فضلا عن البلاد بأسرها.

فقد أشارت أرقام خسائر الحزب المذكور التي بلغت 200 مقاتل وقيادي حتى الآن، إلى أنها تكاد توازي الخسائر التي تكبدها خلال حرب العام 2006 المدمرة على مختلف الصعد، حيث بلغت رقم 250. هذه أرقام مرتفعة في حرب "مشاغلة" ولا تشمل الخسائر بين المدنيين وقد تجاوزت 40 شخصا، إضافة إلى الخسائر في المادية وهي مرتفعة جدا في المناطق الحدودية.

وقد شكلت الغارة الدامية التي نفذتها مسيرة إسرائيلية في قلب مدينة النبطيّة حدثا خطيرا لأنها كسرت قواعد الاشتباك المحدود.

ومن المقدر أنها سوف تكون مفترقا حاسما يودي إلى أحد اتجاهين. أما أن تكون الضربة حافزا للطرفين "حزب الله" وإسرائيل لقبول الوساطات الدولية بهدف خفض التوتر وضبط التصعيد.

وثمة خطة طريق فرنسية قدمت لـ "حزب الله" بواسطة المسؤولين الرسميين اللبنانيين العاملين تحت "عباءة" الحزب المذكور، يمكن أن تشكل مدخلا لمنع الانزلاق الخطير نحو حرب واسعة. لكن ويا للأسف رفضها الحزب المذكور واستتباعا رفضها رئيسا الحكومة ومجلس النواب.

وإما أن يذهب "حزب الله" بعد أن يرد على الغارة الدموية في النبطيّة في اتجاه التصعيد الكبير وفق إمكانياته العسكرية، التي يهدد فيها إسرائيل فيدخل ويدخل معه لبنان في جحيم حرب لا يريدها اللبنانيون حتى من صلب بيئته الحاضنة.

نحن أمام واقع خطير جدا. والغالبية العظمى من اللبنانيين ترفض التورط في حرب من شأنها إذا ما اشتعلت أن تدمر البلاد، من دون أن تنقذ غزة من الحرب وفقا للشعار الذي رفعه أمين عام "حزب الله" في بداية حرب غزة.

لكن مشكلة لبنان لا تتوقف عند إصرار "حزب الله" على مواصلة حرب "المشاغلة" انطلاقا من الجانب اللبناني، بل يتعداه إلى واقع العجز الذي تعاني منه المؤسسات الدستورية أمام استحقاق مصيري بالنسبة إلى لبنان.

فمنذ 8 أكتوبر الماضي لم يدع مجلس الوزراء إلى الاجتماع من أجل مناقشة قرار "حزب الله" المنفرد الدخول في حرب "مشاغلة" مع إسرائيل انطلاقا من الأراضي اللبنانية.

والأخطر أن مجلس النواب اللبناني لم يدع إلى الاجتماع بوصفة أم المؤسسات الدستورية لمناقشة الموضوع عينه، بما يشكله من خطر وجودي يخيّم فوق رؤوس اللبنانيين رغما عنهم.

بناء على ما تقدم، لا نبالغ إن قلنا إن لبنان وصل حقا إلى عتبة الحرب الحقيقية.